للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّ مَنْ أتى عمَلَ عَملِ قَومِ لُوطٍ فلا حَدَّ عليهِ، ويُعزَّرُ ويُودَعُ في السِّجنِ، وليسَ بزنًا؛ لاختلافِ الصَّحابةِ في مُوجَبِه مِنْ الإحراقِ بالنَّارِ -كما رُويَ ذلكَ عن خالدِ بنِ الوليدِ أنه فعَلَ ذلكَ بأمرٍ مِنْ أبي بَكرٍ الصِّديقِ وهَدمِ الجِدارِ والتَّنكيسِ مِنْ مَكانٍ مُرتفِعٍ باتِّباعِ الحِجارةِ وغيرِ ذلكَ، ولا هو في مَعنى الزنا؛ لأنه ليسَ فيه إضاعةُ الولَدِ واشتِباهُ الأنسابِ، إلا أنه يُعزَّرُ ويُسجَنُ؛ لأنه أمرٌ مُنكَرٌ ليسَ فيه شيءٌ مُقدَّرٌ (١).

وذهَبَ الصاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ مَنْ أتَى فِعلَ قَومِ لوطٍ فإنَّ حُكمَه حُكمُ الزِّنا في الفَرجِ، وعليهِما الحدُّ جَميعًا، فإنْ كانَا مُحصَنينِ فعَليهِما الرَّجمُ، وإنْ لم يكونَا مُحصَنينِ فعَليهِما جَلدُ مائةٍ والتَّغريبُ، وإنْ كانَ أحَدُهما مُحصنًا رُجِمَ والآخرُ غَيرُ مُحصنٍ جُلِدَ وغُرِّبَ؛ لِمَا رُويَ مَرفوعًا: «إذا أتَى الرَّجلُ الرَّجلَ فهُمَا زانِيانِ» (٢)، فسمَّاهُ النبيُّ زنًى، وقد تكرَّرَ حدُّ الزِّنى في البِكرِ والثيِّبِ، ولأنه فرْجٌ يجبُ في الإيلاجِ فيه الحدُّ، ففُرِّقَ فيه بينَ البكرِ والثيِّبِ كفرْجِ المرأةِ، فإذا ثبَتَ كونُه زنًا دخَلَ في عُمومِ الآيةِ والأخبارِ فيه، ولأنه فاحشةٌ، فكانَ زنًا كالفاحشةِ بينَ الرَّجلِ والمرأةِ.


(١) «المبسوط» (٩/ ٧٨)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٣٠٣)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٤٣)، و «اللباب» (٢/ ٣٠٦، ٣٠٧)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٧).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (١٦٨١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>