للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، ثمَّ هذا الفِعلُ دُونَ الفعلِ في القُبلِ في المَعنى الذي لأجْلِه وجَبَ حَدُّ الزِّنى مِنْ وجهَينِ:

أحَدُهما: أنَّ الحدَّ مَشروعٌ زَجرًا، وطبعُ كلِّ واحدٍ مِنْ الفاعلَينِ يَدعُو إلى الفعلِ في القُبلِ، وإذا آلَ الأمرُ إلى الدُّبرِ كانَ المَفعولُ بهِ مُمتنِعًا مِنْ ذلكَ بطَبعِه، فيَتمكَّنُ النُّقصانُ في دعاءِ الطَّبعِ إليه.

والثَّاني: أنَّ حدَّ الزِّنى مَشروعٌ صِيانةً للفِراشِ، فإنَّ الفِعلَ في القُبلِ مُفسِدٌ للفراشِ، ويَتخلَّقُ الولَدُ مِنْ ذلكَ الماءِ لا والِدَ له ليُؤدِّبَه، فيَصيرُ ذلكَ جُرمًا يَفسدُ بسَببِه عالَمٌ، وإليهِ أشارَ في قولِه: «وولَدُ الزِّنى شَرُّ الثَّلاثةِ» (١)، وإذا آلَ الأمرُ إلى الدُّبرِ يَنعدمُ معنَى فَسادِ الفِراشِ، ولا يَجوزُ أنْ يُجبَرَ هذا النُّقصانُ بزِيادةِ الحُرمةِ مِنْ الوَجهِ الذي قالَا؛ لأنَّ ذلكَ يكونُ مُقايَسةً، ولا مَدخلَ لها في الحُدودِ (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الصاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ إلى أنَّ مَنْ وَطئَ امرأةً أجنَبيةً في دُبرِها أنه كالزِّنا وعَليهِما الحدُّ جَميعًا، فإنْ كانَا مُحصَنينِ فعَليهِما الرَّجمُ، وإنْ لم يَكونَا مُحصَنينِ فعَليهِما جَلدُ مِائةٍ، وإنْ كانَ أحَدُهما مُحصَنًا رُجِمَ والآخَرُ غيرُ مُحصَنٍ جُلِدَ.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٩٦٣).
(٢) «المبسوط» (٩/ ٧٨)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٤٣)، و «اللباب» (٢/ ٣٠٦، ٣٠٧)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>