للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا هل يُشترطُ الكَمالُ في كلٍّ منهُما بأنْ يَطأَ الرَّجلُ العاقِلُ الحُرُّ عاقِلةً حُرةً؟ أم لو وُجدَتِ الصِّفاتُ في أحدِهما وجَبَ عليه الحَدُّ دونَ الآخَرِ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في قولٍ والحَنابلةُ إلى أنه يُشترطُ أنْ يكونَ الزَّوجانِ جَميعًا في وَقتِ الدُّخولِ على صِفةِ الإحصانِ، فإذا دخَلَ الزوجُ الحُرُّ المُسلمُ البالغُ العاقلُ بزَوجتِه وهي صَبيةٌ أو مَجنونةٌ أو أمَةٌ -أو كِتابيةٌ عندَ الحَنفيةِ- ثم أدرَكَتِ الصَّبيةُ وأفاقَتِ المَجنونةُ وأُعتقَتِ الأمَةُ وأسلَمَتِ الكافرةُ لا يَصيرُ مُحصنًا ما لم يُوجدْ دُخولٌ آخَرُ بعدَ زوالِ هذه العوارضِ، حتى لو زَنى قبلَ دُخولٍ آخَرَ لا يُرجمْ؛ لأنَّ اعتبارَ اجتماعِ هذهِ الصِّفاتِ في الزَّوجينِ جَميعًا يُشعِرُ بكمالِ حالِهما، وذا يُشعِرُ بكَمالِ اقتِضاءِ الشهوةِ مِنْ الجانبَينِ؛ لأنَّ اقتِضاءَ الشَّهوةِ بالصَّبيةِ والمَجنونةِ قاصِرٌ، وكذا بالرَّقيقِ؛ لكَونِ الرقِّ مِنْ نَتائجِ الكُفرِ، فيَنفرُ عنه الطَّبعُ، وكذا بالكافرةِ؛ لأنَّ طبْعَ المُسلمِ يَنفرُ عن الاستمتاعِ بالكافِرةِ، ولهذا قالَ النبيُّ لحُذيفةَ حينَ أرادَ أنْ يَتزوجَ يَهوديةً: «دَعْها فإنها لا تُحصنكُ» (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : أنْ يُوجَدَ الكَمالُ فيهما جَميعًا حالَ الوَطءِ، فيَطَأ الرَّجلُ العاقلُ الحُرُّ امرأةً عاقِلةً حُرةً، وهذا قولُ أبي حَنيفةَ وأصحابِه، ونحوُه قَولُ عطاءٍ والحَسنِ وابنِ سِيرينَ والنخَعيِّ وقَتادةَ والثَّوريِّ وإسحاقَ قالُوه في الرَّقيقِ.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٨)، والحَديثُ ضَعيفٌ تَقدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>