للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ الذِّميَّ إذا أُكرِهَ على الإسلامِ صَحَّ إسلامُه، كما لو قُوتِلَ الحَربيُّ على الإسلامِ فأسلَمَ فإنه يَصحُّ بالإجماعِ؛ قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [آل عمران: ٨٣] سمَّى المُكرَهَ على الإسلامِ مُسلِمًا، فإنْ رجَعَ الذِّميُّ لا يُقتلُ، لكنَّه يُحبسُ حتى يُسلمَ؛ لأنه وقَعَ الشكُّ في اعتِقادِه، فاحتُملَ أنه صَحيحٌ فيُقتلُ بالرِّدةِ، ويُحتملَ أنه غيرُ مُعتقِدٍ فيكونُ ذِميًّا فلا يُقتلُ، إلا أنَّا رجَّحْنا جانِبَ الوُجودِ حالةَ الإسلامِ تَصحيحًا لإسلامِه؛ لتَرجيحِ الإسلامِ على الكُفرِ (١).

وأمَّا المالِكيةُ فلمْ أقِفْ لهم على قَولٍ في هذا، إلا أنهُم قالوا: مَنْ أسلَمَ مِنْ الكفَّارِ ثم ارتَدَّ وقالَ: «إنما كانَ إسلامِي لأجْلِ عُذرٍ حصَلَ لي وضِيقٍ ضُيِّقَ عليَّ» وظهَرَ عُذرُه بقَرينةٍ فإنه يُقبَلُ منه إذا ظهَرَ أنه ضُيِّقَ عليه بخَوفٍ أو حَبسٍ أو شُبهةٍ، وقُيِّدَ بما إذا لم يُقِمْ على الإسلامِ بعدَ ذهابِ الخَوفِ عنه، وأما إنْ لم يَظهرْ عُذرُه فهو مُرتدٌّ، كما إذا تَوضَّأَ وصلَّى إمامًا بمَن صَحِبَه مِنْ المُسلمينَ، فلما أَمِنَ أظهَرَ الكُفرَ وقالَ: «إنما فَعلْتُ ذلكَ لأحَصِّنَ نفسِي ومالِي بالإسلامِ»، فإنه يُقبلُ منه ذلكَ إذا أشبَهَ ما قالَه، ومَن صَلَّى خلْفَه يُعيدُ ما صَلَّى أبدًا.

وأدِّبَ مَنْ نطَقَ بالشهادتَينِ ولم يَقِفْ على الدَّعائِمِ، أي: لم يَلتزِمْ أركانَ الإسلامِ، فإذا رجَعَ لا يَكونُ حُكمُه حُكمَ المُرتدِّ، لكنَّ هذا في غيرِ مَنْ بينَ أظهُرِنا ويَعلمُ أنَّ علينا صَلاةً وصَومًا … إلخ، وإلا فهو مُرتدٌّ.


(١) «الاختيار» (٢/ ١٢٩)، و (٤/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>