للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ النَّوويُّ : قولُه: «يُسمِعُهُمُ التَّكبيرَ»، يَعني أنَّه يَرفَعُ صَوتَه به إذا كبَّر النَّبيُّ ، وإنَّما فعلَ لأنَّ رَسولَ اللهِ كانَ ضَعيفَ الصَّوتِ حينَئِذٍ بسَببِ المرَضِ.

وفي رِوايةِ البُخارِيِّ ومُسلِمٍ: «أَنَّ النَّبيَّ جلسَ إلى جَنبِ أَبِي بَكرٍ، فَجعلَ أَبو بَكرٍ يُصلِّي وَهو قائِمٌ بِصَلاةِ النَّبيِّ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بصَلاةِ أبي بَكرٍ، والنَّبيُّ قاعِدٌ». ورَوَياه مِنْ طُرُقٍ كَثيرةٍ، كلُّها دَالَّةٌ على أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ الإمامَ، وأنَّ أَبا بَكرٍ كانَ يَقتَدي به، ويُسمِعُ الناسَ التَّكبيرَ، وهكذا رَواهُ مُعظمُ الرُّواةِ.

قالَ الشافِعيُّ والأصحابُ وغيرُهم مِنْ عُلمائِنا المُحدِّثينَ والفُقهاءِ: هذه الرِّواياتُ صَريحةٌ في نَسخِ الحَديثِ السابقِ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «وَإِذَا صلَّى جالسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجمَعِينَ»؛ فإنَّ ذلك كانَ في مرَضٍ كانَ قبلَ هذا بزَمانٍ، حينَ آلَى مِنْ نِسائِه (١). وهذا الحَديثُ هو آخرُ الأمرَينِ مِنْ رَسولِ اللهِ ، ولأنَّه رُكنٌ قدَر عليه، فلم يَجُز له تَركُه كسَائرِ الأركانِ (٢).

لكن قالَ ابنُ قُدامةَ : فأمَّا حَديثُ الآخَرينَ -أي: الذي احتَجَّ به الشافِعيَّةُ وغيرُهم- فقالَ أحمدُ: ليس في هذا حُجَّةٌ؛ لأنَّ أبا بَكرٍ كانَ ابتَدَأَ الصَّلاةَ، فإذا ابتَدَأَ الصَّلاةَ قائِمًا صَلوا قيامًا، فأشارَ أحمدُ إلى أنَّه يُمكِنُ الجَمعُ بينَ الحَديثَينِ بحَملِ الأوَّلِ على مَنِ ابتَدَأَ الصَّلاةَ جالسًا، والثاني على ما إذا ابتَدَأَ الصَّلاةَ قائِمًا، ثم اعتَلَّ، فجلسَ، ومتى أمكَنَ الجَمعُ بينَ


(١) «المجموع» (٥/ ٣٥١، ٣٥٢)، والمراجع السَّابقة.
(٢) «المغني» (٢/ ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>