للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الكلمةِ ثم يُتركونَ يَعملونَ ما شاؤُوا، وهؤلاءِ يُريدونَهم على الإقامةِ على الكُفرِ وتَركِ دِينهم؛ وذلكَ لأنَّ الذي يُكرَهُ على كَلمةِ يَقولُها ثم يُخلَّى، لا ضرَرَ فيها، وهذا المُقيمُ بينَهم يَلتزمُ بإجابتِهم إلى الكفرِ المُقامَ عليهِ واستِحلالَ المُحرَّماتِ وترْكَ الفرائضِ والواجباتِ وفِعلَ المَحظوراتِ والمُنكَراتِ، وإنْ كانَ امرَأةً تَزوَّجوها واستَولدُوها أولادًا كفَّارًا، وكذلكَ الرَّجلُ، وظاهِرُ حالِهم المَصيرُ إلى الكُفرِ الحَقيقيِّ والانسِلاخُ مِنْ الدِّينِ الحَنيفيِّ (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : لا يَكفرُ مَنْ تكلَّمَ بالكفرِ مُكرَهًا بالنَّصِّ والإجماعِ، ولو تكلَّمَ بالكُفرِ مُستهزِئًا بآياتِ اللهِ وباللهِ ورَسولِه كفَرَ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ كَثيرٍ : اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّ المُكرَهَ على الكفرِ يَجوزُ له أنْ يَواليَ إبقاءً لمُهجتِه، ويَجوزُ له أنْ يَستقتلَ كما كانَ بلالٌ يأبَى عليهم ذلكَ وهم يَفعلونَ به الأفاعيلَ، حتى إنَّهم ليَضعونَ الصَّخرةَ العَظيمةَ على صَدرِه في شِدةِ الحَرِّ ويأمُرونَه بالشركِ باللهِ، فأبَى عليهِم وهو يَقولُ: أحَدٌ أحَدٌ، ويَقولُ: واللهِ لو أعلَمُ كَلمةً هي أغيَظُ لكُم منها لقُلتُها وأرضاهُ، وكذلكَ حَبيبُ بنُ زيدٍ الأنصاريُّ لمَّا قالَ له مُسيلمةُ الكذَّابُ: أتَشهَدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ؟ فيقولُ: نعمْ، فيقولُ: أتشهَدُ أني رسولِ اللهِ؟ فيَقولُ: لا أسمَعُ، فلمْ يَزَلْ يُقطعُه إربًا إربًا وهو ثابتٌ على ذلكَ (٣).


(١) «المغني» (٩/ ٣٠، ٣١)، و «البيان» (١٢/ ٤٠، ٤٢).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ٩١).
(٣) «تفسير ابن كثير» (٢/ ٥٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>