للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، منهُم عَطاءٌ ومُجاهدٌ وقَتادةُ ومالكٌ والشافِعيُّ وأصحابُ الرأيِ، قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: لا أعلَمُهم يَختلفونَ في ذلكَ، وحُكيَ عن بَعضِ أصحابِ الشافِعيِّ أنه قالَ: هي جائفةٌ واحِدةٌ، وحُكيَ أيضًا عن أبي حَنيفةَ؛ لأنَّ الجائفةَ هي التي تَنفذُ مِنْ ظاهرِ البَدنِ إلى الجَوفِ، وهذه الثانيةُ إنما نفَذَتْ مِنْ الباطنِ إلى الظاهِرِ.

ولنا: ما رَوى سَعيدُ بنُ المُسيبِ «أنَّ رَجلًا رمَى رَجلًا بسَهمٍ فأنفَذَه، فقَضَى أبو بكرٍ بثُلثَي الدِّيةِ»، ولا مُخالِفَ له فيكونُ إجماعًا، أخرَجَه سَعيدُ بنُ مَنصورٍ في سُننِه، ورُويَ عن عَمرِو بنِ شَعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه «أنَّ عُمرَ قَضى في الجائِفةِ إذا نفَذَتِ الجوفَ بأرشِ جائفتَينِ»؛ لأنه أنفَذَه مِنْ موضعَينِ، فكانَ جائفتَينِ كما لو أنفَذَه بضَربتينِ، وما ذكَرَه غيرُ صَحيحٍ؛ فإنَّ الاعتبارَ بوُصولِ الجُرحِ إلى الجَوفِ لا بكَيفيةِ إيصالِه؛ إذ لا أثَرَ لصُورةِ الفِعلِ مع التساوي في المعنَى، ولأنَّ ما ذكَرَوه مِنْ الكَيفيةِ ليسَ بمَذكورٍ في خبَرٍ، وإنما العادةُ في الغالبِ وُقوعُ الجائِفةِ هكذا، فلا يُعتبَرُ كما أنَّ العادةَ في الغالبِ حُصولُها بالحَديدِ، ولو حصَلَتْ بغيرِه لَكانَت جائفةً، ثم يَنتقضُ ما ذكَرَوه بما لو أدخَلَ يَدَه في جائِفةِ إنسانٍ فخرَقَ بطنَه مِنْ مَوضعٍ آخَرَ فإنه يَلزمُه أرشُ جائِفةٍ بغيرِ خلافٍ نَعلمُه، وكذلكَ يُخرَّجُ فيمَن أوضَحَ إنسانًا في رأسِه ثم أخرَجَ رأسَ السكِّينِ مِنْ مَوضعٍ آخَرَ فهيَ مُوضِحتانِ، فإنْ هشَمَه هاشِمةً لها مَخرجانِ فهي هاشِمتانِ، وكذلكَ ما أشبَهَه (١).


(١) «المغني» (٨/ ٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>