للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمام ابنُ عبدِ البَرِّ : واختَلفُوا على مَنْ تَجبُ الغرَّةُ في ذلكَ، فقالَتْ طائِفةٌ منهُم مالِكٌ والحَسنُ بنُ حَيٍّ: هي في مالِ الجَاني، وهو قَولُ الحَسنِ البَصريِّ والشَّعبيِّ.

وقالَ آخَرونَ: هي على العاقِلةِ، وممَّن قالَ ذلكَ الثوريُّ وأبو حَنيفةَ والشافِعيُّ وأصحابُهم، وهو قَولُ إبراهيمَ وابنِ سِيرينَ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وتَحملُ العاقِلةُ ديَةَ الجَنينِ إذا ماتَ مع أمِّه، نَصَّ عليهِ أحمَدُ إذا كانَتِ الجِنايةُ عليهَا خَطأً أو شِبهَ عَمدٍ؛ لِما رَوى المُغيرةُ بنُ شُعبةَ «أنَّ رَسولَ اللهِ قضَى في الجَنينِ بغُرةٍ عَبدٍ أو أمَةٍ على عَصبةِ القاتلةِ» (٢).

وإنْ كانَ قتَلَ الأمَّ عَمدًا أو ماتَ الجَنينُ وحْدَه لم تَحملْه العاقِلةُ، وقالَ الشافِعيُّ: تَحملُه العاقِلةُ على كلِّ حالٍ؛ بِناءً على قولِه: إنَّ العاقِلةَ تَحملُ القَليلَ والكثيرَ، والجِنايةُ على الجَنينِ ليسَتْ بعَمدٍ؛ لأنه لا يَتحققُّ وُجودُه ليَكونَ مَقصودًا بالضربِ.

ولنَا: إنَّ العاقِلةَ لا تَحملُ ما دونَ الثُّلثِ على ما ذكَرْناه، وهذا دونَ الثُّلثِ، وإذا ماتَ وحْدَه أو مِنْ جِنايةِ عَمدٍ فدِيةُ أمِّه على قاتلِها، فكذلكَ ديَتُه؛ لأنَّ الجِنايةَ لا يَحملُ بعضَ ديتِها الجاني وبعضَها غيرُه، فيكونُ الجَميعُ على القاتلِ، كما لو قطَعَ عَمدًا فسَرَتِ الجِنايةُ إلى النَّفسِ (٣).


(١) «الاستذكار» (٨/ ٧٤)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٣١٢).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٨٢).
(٣) «المغني» (٨/ ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>