مضَتِ السُّنةُ في قَتلِ العَمدِ حينَ يَعفُو أولياءُ المَقتولِ أنَّ الدِّيةَ تكونُ على القاتلِ في مالِه خاصَّةً، إلا أنْ تُعِينَه العاقِلةُ عن طِيبٍ نَفسٍ منها.
قالَ أبو عُمرَ: هذهِ الآثارُ كلُّها في معنًى واحدٍ، وهو أنَّ العاقِلةَ ليسَ عليها أنْ تَحملَ شَيئًا مِنْ دِية العَمدِ، والعَمدُ لا ديَةَ فيه، إنما فيه القَودُ، إلا أنْ يَعفوَ أولياءُ المَقتولِ عن القاتلِ ليَأخُذوا الدِّيةَ ويَصطلِحوا على ذلكَ، أو يَعفوَ أحَدُهم ممَّن له العَفوُ، فيَرتفعُ القتلُ وتَجبُ الدِّيةُ لمَن لم يَعْفُ بشَرطٍ أو بغيرِ شَرطٍ، أو تكونُ الجِنايةُ فيما دُونَ النفسِ مِنْ الجِراحِ عَمدًا تَبلغُ الثُّلثَ فصاعِدًا، أو لم يَكنْ إلى القِصاصِ سَبيلٌ كالجائِفةِ وشِبهِها (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ ديَةَ العَمدِ تَجبُ في مالِ القاتلِ لا تَحملُها العاقِلةُ، وهذهِ قَضيةُ الأصلِ، وهو أنَّ بدَلَ المتلَفِ يَجبُ على المُتلِفِ، وأرشُ الجِنايةِ على الجاني، قالَ النبيُّ ﷺ:«لا يَجنِي جانٍ إلا عَلى نَفسِه»، وقالَ لبَعضِ أصحابِه حينَ رَأى معَه ولَدَه:«ابنُكَ هذا؟ قالَ: نعَمْ، قالَ: أمَا أنه لا يَجنِي عليكَ ولا تَجني عليهِ»، ولأنَّ مُوجبَ الجِنايةِ أثَرُ فِعلِ الجاني، فيَجبُ أنْ يَختصَّ بضَررِها كما يَختصُّ بنَفعِها، فإنه لو كسَبَ كانَ كَسبُه له دونَ غيرِه، وقد ثبَتَ حُكمُ ذلكَ في سائِرِ الجِناياتِ والأكسابِ، وإنما خُولِفَ هذا الأصلُ في قَتلِ المَعذورِ فيه؛ لكَثرةِ الواجِبِ وعَجزِ الجاني في الغالبِ عن تَحمُّلِه مع وُجوبِ الكفَّارةِ