للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أنسٍ قالَ: «كَسرَتِ الرُّبيِّعُ -وهي عمَّةُ أنسِ بنِ مالكٍ- ثَنيَّةَ جاريةٍ مِنْ الأنصارِ، فطلَبَ القَومُ القِصاصَ، فأَتَوا النبيَّ فأمَرَ النبيُّ بالقِصاصِ، فقالَ أنسُ بنُ النَّضْرِ عَمُّ أنسِ بنِ مالكٍ: لا واللهِ، لا تُكسَرُ سِنُّها يا رَسولَ اللهِ، فقالَ رَسولُ اللهِ : يا أنَسُ كِتابُ اللهِ القِصاصُ، فرَضِيَ القَومُ وقَبلُوا الأرشَ، فقالَ رَسولُ اللهِ : إنَّ مِنْ عِبادِ اللهِ مَنْ لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّهُ» (١).

قالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ [المائدة: ٤٥]، وأجمَعَ العُلماءُ أنَّ هذهِ الآيةَ في العَمدِ، فمَن أصابَ سِنَّ أحَدٍ عَمدًا ففيه القِصاصُ، على حَديثِ أنسٍ (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وُجوبُ القِصاصِ في السنِّ، وهو مُجمَعٌ عليهِ إذا أقَلَّها كلَّها، فإنْ كسَرَ بعضَها ففيهِ وفي كَسرِ سائرِ العِظامِ خلافٌ مَشهورٌ للعُلماءِ، والأكثَرونَ على أنه لا قِصاصَ (٣).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : أجمَعَ أهلُ العِلمِ على القصاصِ في السنِّ؛ للآيةِ وحَديثِ الرُّبيعِ، ولأنَّ القِصاصَ فيها مُمكنٌ؛ لأنها مَحدودةٌ في نَفسِها، فوجَبَ فيها القِصاصُ كالعَينِ، وتُؤخذُ الصَّحيحةُ بالصحيحةِ، وتُؤخذُ المَكسورةُ بالصَّحيحةِ؛ لأنه يَأخذُ بعضَ حقِّه، وهل يَأخذُ مع القِصاصِ أرشَ الباقي؟ فيه وَجهانِ ذكَرْناهُما فيما مضَى.


(١) أخرجه البخاري (٤٣٣٥).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٥٢٢، ٥٢٣).
(٣) «شرح صحيح مسلم» (١١/ ١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>