للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُويَ عن سيِّدِنا أبي بَكرٍ الصِّديقِ أنه حكَمَ في جائِفةٍ نفَذَتْ إلى الجانبِ الآخَرِ بثُلثَي الديَةِ، وكانَ ذلكَ بمَحضرٍ مِنْ الصَّحابةِ الكِرامِ، ولم يُنقَلْ أنه خالَفَه في ذلكَ أحَدٌ منهُم، فيَكونُ إجماعًا (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : فإنْ جرَحَه في جَوفِه فخرَجَ مِنْ الجانِبِ الآخَرِ فهُمَا جائِفتانِ.

هذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، منهُم عَطاءٌ ومُجاهدٌ وقَتادةُ ومالكٌ والشافِعيُّ وأصحابُ الرأيِ، قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: لا أعلَمُهم يَختلفونَ في ذلكَ، وحُكيَ عن بعضِ أصحابِ الشافِعيِّ أنه قالَ: هي جائِفةٌ واحِدةٌ، وحُكيَ أيضًا عن أبي حَنيفةَ؛ لأنَّ الجائِفةَ هي التي تَنفذُ مِنْ ظاهِرِ البَدنِ إلى الجَوفِ، وهذهِ الثانيةُ إنما نفَذَتْ مِنْ الباطنِ إلى الظاهِرِ.

ولنا: ما رَوَى سَعيدُ بنُ المُسيبِ «أنَّ رَجلًا رمَى رَجلًا بسَهمٍ فأنفَذَه، فقَضَى أبو بَكرٍ بثُلثَي الديَةِ» ولا مُخالِفَ له، فيَكونُ إجماعًا، أخرَجَه سَعيدُ بنُ مَنصورٍ في سُننِه، ورُويَ عن عَمرِو بنِ شُعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه «أنَّ عُمرَ قَضَى في الجائِفةِ إذا نفَذَتِ الجوفَ بأرشِ جائفَتينِ»؛ لأنه أنفَذَه مِنْ مَوضعينِ، فكانَ جائفَتينِ كما لو أنفَذَه بضَربتينِ، وما ذكَرَه غيرُ صَحيحٍ؛ فإنَّ الاعتبارَ بوُصولِ الجُرحِ إلى الجَوفِ لا بكَيفيةِ إيصالِه؛ إذْ لا أثَرَ لصُورةِ الفِعلِ مع التساوي في المعنَى، ولأنَّ ما ذَكَروهُ مِنْ الكَيفيةِ ليسَ بمَذكورٍ في خبَرٍ، وإنما العادةُ والغالبُ وقوعُ الجائفةِ هكذا، فلا يُعتبَرُ، كما


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>