وقالَ القاضِي العَمرانِيُّ ﵀: وكُلُّ عُضوٍ وجَبَ فيه القِصاصُ .. فإنه يَجبُ فيه وإنِ اختَلفَ العُضوانِ في الصِّغرِ والكِبَرِ، والصِّحةِ والمَرضِ، والسِّمنِ والهُزالِ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ [المائدة: ٤٥] ولم يُفرِّقْ، ولأنَّا لو اعتبَرْنا هذهِ الأشياءَ .. لشَقَّ وضاقَ، فسقَطَ اعتِبارُه كما سقَطَ اعتبارُ ذلكَ في النفسِ.
وما كانَ مِنْ الأعضاءِ مُنقسِمًا إلى يَمينٍ ويَسارٍ كالعَينينِ والأذُنينِ واليَدينِ والرِّجلينِ .. لا يَجوزُ أخذُ اليُمنى منه باليُسرَى، ولا اليُسرَى باليُمنَى، وقالَ ابنُ شُبرمةَ: يَجوزُ.
دَليلُنا: أنَّ كلَّ واحدٍ منهُما يَختصُّ باسمٍ يَنفردُ به، فلا يُؤخذُ بغيرِه كما لا تُؤخذُ اليَدُ بالرِّجلِ.
وكذلكَ: لا يُؤخذُ الجَفنُ الأعلَى بالجَفنِ الأسفَلِ، ولا الأسفلُ بالأعلَى، وكذلكَ الشَّفتانِ مثلُه.
ولا تُؤخذُ سِنٌّ بسِنٍّ غيرِها، ولا إصبعٌ بإصبعٍ غيرِها، ولا أنمُلةٌ بأنمُلةٍ غيرِها، كما لا تُؤخذُ نَفسٌ بجِنايةِ نَفسٍ غيرِها، ولا يُؤخذُ ذلكَ وإنْ رَضيَ الجاني والمَجنيُّ عليهِ.
وكذلك: إذا رَضيَ الجاني بأنْ يُؤخذَ العُضوُ الكاملُ بالناقِصِ والصَّحيحُ بالأشلِّ .. لم يَجُزْ؛ لأنَّ الدِّماءَ لا تُستباحُ بالإباحةِ (١).