للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ إِدريسَ: ويحَك! ألا ترَى؟ فجلَسْنا حتى تَفرَّقَ الناسُ، فقُلتُ لعبدِ اللهِ بنِ إِدريسَ: لا تَقمْ حتى نَعلمَ ما عندَه في هذا. فقُلتُ: يا أَبا عبدِ اللهِ، رَأيتُك اليومَ فعَلْت شيئًا أَنكرْتُه، وأَنكرَه أَصحابُنا عليك. قالَ: وما هو؟ قُلتُ: جاءَك أَبو حَنيفةَ، فقُمتَ إليه، وأَجلسْتَه في مَجلسِك، وصنَعتَ له صُنيعًا بَليغًا، وهذا عندَ أَصحابِنا مُنكَرٌ.

فقالَ: ما أَنكرْتَ من ذاك؟ هذا رَجلٌ من العلمِ بمَكانٍ، فإن لم أَقمْ لعِلمِه، قُمتُ لسِنِّه، وإن لم أَقمْ لسِنِّه، قُمتُ لفِقهِه، وإن لم أَقمْ لفِقهِه، قُمتُ لوَرعِه، فأَحجَمَني، فلم يَكنْ عِندي جَوابٌ (١).

وعن أَبي وَهبٍ مُحمدِ بنِ مُزاحِمٍ قالَ: سمِعْت عبدَ اللهِ بنَ المُبارَكِ يَقولُ: رَأيتُ أَعبدَ الناسِ، ورَأيتُ أَورعَ الناسِ، ورَأيتُ أَعلمَ الناسِ، ورَأيتُ أَفقهَ الناسِ، فأما أَعبدُ الناسِ فعَبدُ العزيزِ بنُ أَبي رَوادٍ، وأما أَورعُ الناسِ فالفُضيلُ بنُ عِياضٍ، وأما أَعلمُ الناسِ فسُفيانُ الثَّوريُّ، وأما أَفقهُ الناسِ فأَبو حَنيفةَ.

ثم قالَ: ما رَأيتُ في الفقهِ مِثلَه (٢).

وعن يَحيى بنِ مَعينٍ قالَ: كانَ أَبو حَنيفةَ ثِقةً، لا يُحدِّثُ بالحَديثِ إلا بما يَحفُظُه، ولا يُحدِّثُ بما لا يَحفظُ (٣).


(١) «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٤٠).
(٢) «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٤٠).
(٣) «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>