للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ المالِكيةُ: يَصحُّ الإيصاءُ مِنْ المَقتولِ إلى قاتِلِه بشَرطِ أنْ يعلَمَ أنه هو الذي قتَلَه، سَواءٌ كانَ القَتلُ عَمدًا أو خَطأً، وتَكونُ الوَصيةُ في الخَطأِ في مالِ المُوصي والدِّيةُ -أي المَأخوذةُ مِنْ عاقِلةِ القاتِلِ، فتكونُ الوَصيةُ في ثُلثِهما، وفي العَمدِ في المالِ فقطْ، أي في ثُلثِه، إلا أنْ يُنفِذَ مَقاتِلَه ويَقبلَ وارثُه الديَةَ ويعلَمَ بها.

فإنْ لم يَعلَمِ المُوصي بأنَّ المُوصَى له هو الذي قتَلَه فهل تَنفذُ الوَصيةُ له أو تَبطلُ؟ فيه تَأويلانِ:

أصَحُّهما: لا شَيءَ له، وهو قَولُ ابنِ القاسمِ؛ لأنَّ المُوصيَ لو عَلِمَ أنَّ هذا القاتِلَ له لم يُوْصِ له؛ لأنَّ الشأنَ أنَّ الإنسانَ لا يُحسِنُ لمَن أساءَ إليه.

والثاني: الوَصيةُ نافِذةٌ له، عَلِمَ أو لم يَعلمْ؛ لأنَّ الوَصيةَ بعدَ الضَّربِ، فلا يُتَّهمُ على الاستِعجالِ، وتكونُ في المالِ وفي دِيةِ الخَطأِ فقطْ.

وأما لو قالَ: «أعطُوا مِنْ قَتلَني» فتَصحُّ اتفاقًا (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في مُقابلِ الأظهَرِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يُشترطُ في المُوصَى له أنْ لا يَكونَ قاتِلًا للمُوصِي، فإذا قتَلَ المُوصيَ بطَلَتْ الوَصيةُ؛ لِما رَواهُ الدارقُطنيُّ مَرفوعًا: «ليسَ لقاتِلٍ وصِيةٌ» (٢)، ولأنه


(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٤٩٠، ٤٩١)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٤٣٩)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٧١)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٣١، ٥٣٢).
(٢) رواه الدارقطني (٤٦٢٨)، وقالَ: مُبشرُ بنُ عُبيدٍ مَتروكُ الحَديثِ يَضعُ الأحادِيثَ، ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (١٢٤٣٢)، وقالَ: تفرَّدَ به مُبشرُ بنُ عُبيدٍ الحِمصيُّ وهو مَنسوبٌ إلى وَضعِ الحَديثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>