للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرثُ مِنْ المَقتولِ شَيئًا، إلا ما حُكيَ عن سَعيدِ بنِ المُسيبِ وابنِ جُبيرٍ أنهُما ورَّثاهُ، وهو رَأيُ الخَوارجِ؛ لأنَّ آيةَ المِيراثِ تَتناولُه بعُمومِها، فيَجبُ العَملُ بها فيه، ولا تَعويلَ على هذا القَولِ؛ لشُذوذِه وقيامِ الدَّليلِ على خِلافِه.

فإنَّ عُمرَ أعطَى ديَةَ ابنِ قَتادةَ المذحَجيِّ لأخيه دُونَ أبيه وكانَ حذَفَه بسَيفِه فقتَلَه، واشتَهرتْ هذه القِصةُ بينَ الصحابةِ فلَم تُنكَرْ فكانَتْ إجماعًا، وقالَ عُمرُ: سَمعتُ رَسولَ اللهِ يقولُ: «ليسَ للقاتِلِ شَيءٌ» رواهُ مالِكٌ في مُوطئِه والإمامُ أحمَدُ بإسنادِه، ورَوى عَمرُو بنُ شُعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه عن النبيِّ نحْوَه، رَواهُ ابنُ اللبَّانِ بإسنادِه، ورَواهُما ابنُ عبدِ البَرِّ في كتابِه.

ورَوى ابنُ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «مَنْ قتَلَ قَتيلًا فإنه لا يَرثُه وإنْ لم يَكنْ له وارِثٌ غيرَه، وإنْ كانَ والِدَه أو ولَدَه، فليسَ لقاتِلٍ مِيراثٌ» (١) رواهُ الإمامُ أحمَدُ بإسنادِه، ولأنَّ تَوريثَ القاتِلِ يُفضِي إلى تَكثيرِ القَتلِ؛ لأنَّ الوارِثَ ربَّما استَعجلَ موتَ مَوروثِه ليَأخذَ مالَه، كما فعَلَ الإسرائيليُّ الذي قتَلَ عَمَّه فأنزَلَ اللهُ تعالَى فيه قِصةَ البَقرةِ، وقيلَ: ما ورثَ قاتِلٌ بعدَ عاميلَ، وهو اسمُ القَتيلِ (٢).


(١) حَدِيثٌ ضًعِيفٌ: رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٧٧٨٦)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٢٠٢٢).
(٢) «المغني» (٦/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>