للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فماتَ فلا قِصاصَ قَطعًا، ولا ضَمانَ أيضًا على الأصحِّ، وبه قطَعَ البَغويُّ؛ لأنه المُهلِكُ نفسَه، وقالَ القفَّالُ: يَجبُ.

ولو حبَسَه وراعاهُ بالطَّعامِ والشَّرابِ فماتَ في الحَبسِ فإنْ كانَ عَبدًا ضَمِنَه باليَدِ، وإنْ كانَ حُرًّا فلا ضَمانَ أصلًا، سَواءٌ ماتَ حتْفَ أنفِه أو بانهِدامِ سَقفٍ أو جِدارٍ عليهِ، أو بلَسعِ حيَّةٍ ونَحوِها.

ولو حبَسَه وعرَّاهُ حتَّى ماتَ بالبَردِ فهو كما لو حبَسَه، ومنَعَه الطَّعامَ والشَّرابَ.

ولو أخَذَ طَعامَه أو شَرابَه أو ثِيابَه في مَفازةٍ فماتَ جُوعًا أو عَطشًا أو بَردًا فلا ضَمانَ؛ لأنه لم يُحدثْ فيه صُنعًا.

ولو قتَلَه بالدُّخانِ بأنْ حبَسَه في بَيتٍ وسَدَّ مَنافذَه فاجتَمعَ عليهِ الدُّخانُ فضاقَ نفَسَه فماتَ وجَبَ القوَدُ، وكذا لو منَعَ مَنْ افتَصدَ مِنْ شَدِّ فِصادِه حتى ماتَ (١).

وقالَ الحَنابلةُ: لو أنَّ رَجلًا حبَسَ آخَرَ في مَكانٍ ومنَعَه الطَّعامَ والشَّرابَ أو أحدَهُما -أي الطَّعامَ وحْدَه أو الشَّرابَ- مُدةً لا يَبقَى فيها حتَّى يَموتَ ففيهِ القَودُ؛ لأنَّ هذا يَقتلُ غالبًا، وهذا يَختلفُ باختِلافِ الناسِ والزَّمانِ والأحوالِ، فإذا كانَ عَطشانَ في شِدةِ الحَرِّ ماتَ في الزَّمنِ القَليلِ وإنْ كانَ ريَّانَ والزَّمنُ باردٌ ومُعتدلٌ لم يَمتْ إلا في زَمنٍ طَويلٍ، فيُعتبَرُ هذا فيهِ، وإنْ


(١) «المهذب» (٢/ ١٧٦)، و «البيان» (١١/ ٣٤١، ٣٤٢)، و «روضة الطالين» (٦/ ١٣٥، ١٣٦)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٣١، ٣٣٢)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢١٦، ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>