للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ خنَقَه وترَكَه مَثلًا حتى ماتَ ففيهِ القَودُ؛ لأنه ماتَ مِنْ سِرايةِ جِنايتِه، فهو كالمَيتِ مِنْ سِرايةِ الجُرحِ، وإنْ تَنفَّسَ وصَحَّ ثم ماتَ فلا قوَدَ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنه لم يَمُتْ منه، فأشبَهَ ما لو اندَملَ الجُرحُ ثم ماتَ (١).

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّ مَنْ خنَقَ غيرَه حتى ماتَ فليسَ فيه قِصاصٌ، وإنما هو شِبهُ عَمدٍ تَجبُ فيه الدِّيةُ مُغلَّظةً على عاقِلتِه، ولا يَجبُ فيه القِصاصُ على عاقِلتِه؛ لأنَّ الآلةَ فيها قُصورٌ يُوجِبُ التردُّدَ في أنه قصَدَ قتْلَه بهذا الفِعلِ أو قصَدَ المُبالَغةَ في إيلامِه وإدخالَ الضَّررِ على نَفسِه، فاتَّفقَ مَوتُه وعَدمُ احتِمالِه لذلكَ.

لكنْ إنْ خنَقَ غيرَ مَرةٍ قُتلَ الآنَ؛ لأنه ظهَرَ قَصدُه إلى القتلِ بالتَّخنيقِ حَيثُ عُرفَ إفضاؤُه إلى القَتلِ ثمَّ صارَ يَعتمَّدُه، ولأنه صارَ ساعِيًا في الأرضِ بالفَسادِ، وكلُّ مَنْ كانَ كذلكَ يُدفعُ شَرُّه بالقَتلِ.

لكنْ إنْ كانَ خنَّاقًا مَعروفًا قد خنَقَ غيرَ واحِدٍ فعَليهِ القتلُ؛ لأنه ظهَرَ قَصدُه إلى القتلِ بالتَّخنيقِ حَيثُ عُرفَ إفضاؤُه إلى القَتلِ ثمَّ صارَ يَعتمَّدُه، ولأنه صارَ ساعِيًا في الأرضِ بالفَسادِ، وكلُّ مَنْ كانَ كذلكَ يُدفعُ شَرُّه بالقَتلِ حَدًّا لا قِصاصًا (٢).


(١) «المغني» (٨/ ٢١٠)، و «الكافي» (٤/ ١٣)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٩٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ١٠)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٩).
(٢) «المبسوط» (٢٦/ ١٥٣)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٤)، و «الهداية» (٢/ ١٣٤)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٣٢)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ١٠١)، و «البحر الرائق» (٨/ ٣٣٣)، و «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٥٤٣)، و «معين الحكام» ص (١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>