للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنه لا قوَدَ في ذلكَ، ولا قوَدَ إلا إذا قتَلَه بمُحدَّدٍ أو قتَلَه بالنارِ، ولا قتْلَ في مُثقَّلِ الخَشب ولا غَيرِه، وعنهُ في مُثقلِ الحَديدِ رِوايتانِ: المَذهبُ أنَّ فيه القوَدَ.

لقَولِ النبيِّ : «قَتيلُ الخَطأِ شِبهِ العَمدِ قَتيلُ السَّوطِ والعَصَا، مِائةٌ مِنْ الإبِلِ، أربَعونَ مِنها خَلفةٌ في بُطونِها أولادُها» (١)، فسَمَّاهُ عمْدَ الخَطأِ وأوجَبَ فيه الديَةَ دونَ القِصاصِ، ولأنَّ العَمدَ لا يُمكنُ اعتِبارُه بنَفسِه، فيَجبُ ضَبطُه بمَظنَّتِه، ولا يُمكنُ ضَبطُه بما يَقتلُ غالِبًا؛ لحُصولِ العَمدِ بدُونِه في الجُرحِ الصَّغيرِ، فوجَبَ ضَبطُه بالجُرحِ.

ولأنَّ القَتلَ بآلةٍ غيرِ مُعدَّةٍ للقَتلِ دَليلُ عَدمِ القَصدِ؛ لأنَّ تَحصيلَ كلِّ فِعلٍ بالآلةِ المُعدَّةِ له، فحُصولُه بغَيرِ ما أُعِدَّ له دَليلُ عَدمِ القَصدِ، والمُثقَّلُ وما يَجرِي مَجراهُ ليسَ بمُعَدٍّ للقَتلِ عادةً، فكانَ القَتلُ به دَلالةَ عَدمِ القَصدِ، فيَتمكنُ في العَمديةِ شُبهةُ العَمدِ، بخِلافِ القتلِ بحَديدٍ لا حَدَّ له؛ لأنَّ الحَديدَ آلةٌ مُعدَّةٌ للقَتلِ، قالَ اللهُ : ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد: ٢٥]، والقَتلُ بالعَمودِ مُعتادٌ، فكانَ القَتلُ به دَليلَ القَصدِ، فيَتمحَّضُ عَمدًا (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٥٤٧)، والنسائي (٤٧٩٤، ٤٧٩٦)، وابن ماجه (٢٦٢٧)، و «الإمام أحمد» (٢٣٥٤٠).
(٢) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٤)، و «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ٤٦٦، ٤٧٠)، و «الهداية» (٤/ ١٥٨، ١٥٩)، و «الاختيار» (٥/ ٣١)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ١٩٥، ١٩٧)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>