للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الفِسقِ يُقعِدُه عن القِيامِ بهذه الأمورِ والنُّهوضِ بها، فلو جوَّزْنا أنْ يكونَ فاسِقًا أدَّى إلى إبطالِ ما أقيمَ لأجْلِه، ألَا تَرى في الابتداءِ أنما لم يَجُزْ أنْ يُعقدَ للفاسقِ لأجْلِ أنه يؤدِّي إلى إبطالِ ما أقيمَ له، وكذلكَ هذا مثلُه.

وقالَ آخَرونَ: لا يَنخلعُ إلا بالكُفرِ أو بتَركِ إقامةِ الصَّلاةِ أو التَّركِ إلى دُعائِها أو شَيءٍ مِنْ الشَّريعةِ؛ لقَولِه في حَديثِ عُبادةَ: «وألا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، قالَ: إلا أنْ تَرَوا كُفرًا بَواحًا عندَكُم مِنْ اللهِ فيه بُرهانٌ» (١).

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الصَّحيحِ عندَهم والحَنابلةُ إلى أنَّ الإمامَ لا يَنعزلُ بالفِسقِ.

قالَ المالِكيةُ: الخَليفةُ إذا وليَ مُستوفيًا للشُّروطِ لا يَجوزُ عَزلُه إذا تغيَّرَ وَصفُه، كانَ طرَأَ عليهِ الفِسقُ وظُلمُ الناسِ، بخِلافِ غيرِه مِنْ قاضٍ ووَالٍ، وإنما لم يُعزَلْ بالفِسقِ ارتكابًا لأخَفِّ الضَّررينِ؛ لِما في عَزلِه مِنْ عِظمِ الفِتنِ (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وأجمَعَ أهلُ السُّنةِ أنه لا يَنعزلُ السُّلطانُ بالفِسقِ، وأما الوَجهُ المَذكورُ في كُتبِ الفِقهِ لبعضِ أصحابِنا أنه يَنعزلُ وحُكيَ عن المُعتزلةِ أيضًا فغَلطٌ مِنْ قائلِه مُخالِفٌ للإجماعِ، قالَ العُلماءُ: وسَببُ عَدمِ انعِزالِه وتَحريمِ الخُروجِ عليهِ ما يَترتبُ على ذلكَ مِنْ الفِتنِ وإراقةِ الدِّماءِ وفَسادِ ذاتِ البَينِ، فتكونُ المَفسدةُ في عَزلِه أكثَرَ منها في بَقائِه، قالَ القاضي


(١) «تفسير القرطبي» (١/ ٢٧٠، ٢٧١).
(٢) «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ٢٩٧، ٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>