للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تَنعقدُ إمامةُ الكافرِ إذا تغلَّبَ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)[النساء: ١٤١] (١).

وقالَ الإمامُ الماوَرديُّ : اختَلفَ أهلُ العِلمِ في ثُبوتِ إمامتِه - أي المُتغلِّبِ- وانعِقادِ وِلايتِه بغيرِ عَقدٍ ولا اختيارٍ، فذهَبَ بعضُ فُقهاءِ العراقِ إلى ثُبوتِ وِلايتِه وانعِقادِ إمامتِه وحَملِ الأمَّةِ على طاعتِه وإنْ لم يَعقدْها أهلُ الاختيارِ؛ لأنَّ مَقصودَ الاختيارِ تَمييزُ المولَّى، وقد تميَّزَ هذا بصِفتِه.

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ والمُتكلِّمينَ إلى أنَّ إمامتَه لا تَنعقدُ إلا بالرضَا والاختيارِ، لكنْ يَلزمُ أهلَ الاختيارِ عَقدُ الإمامةِ له، فإنِ اتَّفقُوا أتَمُّوا؛ لأنَّ الإمامةَ عَقدٌ لا يَتمُّ إلا بعاقدٍ، وكالقَضاءِ إذا لم يكنْ مَنْ يَصلحُ له إلا واحدٍ لم يَصرْ قاضيًا حتى يُولَّاهُ (٢).

وقالَ الحَنابلةُ: ولو خرَجَ رَجلٌ على الإمامِ فقهَرَه وغلَبَ الناسَ بسَيفِه حتى أقَرُّوا له وأذعَنُوا بطاعتِه وتابَعوهُ صارَ إمامًا يَحرمُ قِتالُه والخُروجُ عليهِ، فإنَّ عبدَ الملكِ بنَ مَروانَ خرَجَ على ابنِ الزبيرِ فقتَلَه واستَولى على البلادِ وأهلِها حتى بايَعوهُ طَوعًا وكَرهًا، فصارَ إمامًا يَحرمُ الخُروجُ عليهِ؛ وذلكَ لِما في الخُروجِ عليهِ مِنْ شَقِّ عصَا المُسلمينَ وإراقةِ دِمائِهم وذَهابِ أموالِهم، ويَدخلُ الخارجُ عليهِ في عُمومِ قولِه : «مَنْ خرَجَ على


(١) «روضة الطالبين» (٦/ ٤٦٧)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٦٨)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٤١٦).
(٢) «الأحكام السلطانية» ص (٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>