للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يَختاروا، والثانيةُ: مَنْ تُوجَدُ فيهم شَرائطُ الإمامةِ حتَّى يَنتصِبَ أحَدُهم لها (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : يَجبُ أنْ يُعرَفَ أنَّ وِلايةَ أمرِ الناسِ مِنْ أعظَمِ واجِباتِ الدِّينِ، بل لا قِيامَ للدِّينِ ولا للدُّنيا إلا بها، فإنَّ بَني آدَمَ لا تَتمُّ مَصلحتُهم إلا بالاجتِماعِ؛ لحاجةِ بعضِهم إلى بعضٍ، ولا بُدَّ لهم عندَ الاجتماعِ مِنْ رأسٍ، حتى قالَ النبيُّ : «إذا خرَجَ ثَلاثةٌ في سَفرٍ فلْيُؤمِّروا أحَدَهم» رواهُ أبو داودَ مِنْ حَديثِ أبي سَعيدٍ وأبي هُريرةَ، ورَوى الإمامُ أحمَدُ في المُسنَدِ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أنَّ النبيَّ قالَ: «لا يَحلُّ لثَلاثةٍ يَكونونَ بفَلاةٍ مِنْ الأرضِ إلا أمَّرُوا عليهِم أحَدَهم»، فأوجَبَ تأميرَ الواحدِ في الاجتِماعِ القَليلِ العارِضِ في السَّفرِ تَنبيهًا بذلكَ على سائرِ أنواعِ الاجتماعِ.

ولأنَّ اللهَ تعالَى أوجَبَ الأمرَ بالمَعروفِ والنهيَ عن المُنكَرِ، ولا يَتمُّ ذلكَ إلا بقوَّةٍ وإمارةٍ، وكذلكَ سائرُ ما أوجَبَه مِنْ الجِهادِ والعَدلِ وإقامةِ الحَجِّ والجُمَعِ والأعيادِ ونَصرِ المَظلومِ وإقامةِ الحُدودِ لا تَتمُّ إلا بالقوَّةِ والإمارةِ، ولهذا رُويَ: «أنَّ السُّلطانَ ظِلُّ اللهِ في الأرضِ»، ويُقالُ: «سِتُّونَ سَنةً مِنْ إمامٍ جائرٍ أصلَحُ مِنْ لَيلةٍ واحِدةٍ بلا سُلطانٍ»، والتَّجربةُ تُبيِّنُ ذلك.

ولهذا كانَ السلَفُ كالفُضَيلِ بنِ عِياضٍ وأحمَدَ بنِ حَنبلٍ وغيرِهما يَقولونَ: لو كانَ لنا دَعوةٌ مُجابةٌ لَدَعَونا بها للسُّلطانِ، وقالَ النبيُّ


(١) «كشاف القناع» (٦/ ٢٠١، ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>