للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطاعةِ، فإنْ بذَلَ الرُّجوعَ إلى الطاعةِ .. أُخذَتْ منه البَيعةُ وخُليَ، وإنِ انقَضتِ الحَربُ أو انهَزَموا إلى غيرِ فِئةٍ .. فإنه يُخلَّى، وإنِ انهَزَموا إلى فئةٍ .. خُليَ على المَذهبِ، ولم يُخَلَّ على قَولِ أبي إسحاقَ، ولا يَجوزُ قتلُه؛ لقَولِه : «ولا يُقتلُ أسيرُهم»، وهذا إنْ ثبَتَ نَصٌّ، ولأنَّ سِيرةَ عليٍّ فيهم كانَت هكذا، وعليهَا عَمِلَ المُسلمونَ بعدَه، ولأنَّ المَقصودَ بقتالِهم كفُّهم عن القِتالِ، وليسَ المَقصودُ قتْلَهم، ولأنهم في دفعِهم عن البغيِ في حُكمِ الطالبِ نفسَ المَطلوبِ الذي لا يَجوزُ قتلُه بعدَ كفِّه، كذلكَ البغاةُ، وهم بخِلافِ أهلِ الحَربِ؛ لأنَّ المَقصودَ قتلُهم بقتالِهم، فافتَرَقوا.

فإنْ قتَلَه رَجلٌ مِنْ أهلِ العَدلِ عامِدًا .. فهل يَجبُ عليهِ القِصاصُ؟ فيه وَجهانِ:

أحَدُهما: يَجبُ عليهِ القِصاصُ؛ لأنه صارَ بالأسرِ مَحقونَ الدمِ، فصارَ كما لو رجَعَ إلى الطاعةِ، وللوَليِّ أنْ يَعفوَ عن القَودِ إلى الدِّيةِ.

والثَّاني: لا يَجبُ عليهِ القِصاصُ؛ لأنَّ قولَ أبي حَنيفةَ شُبهةٌ تُسقِطُ عنه القِصاصَ. فعلَى هذا تَجبُ فيه الدِّيةُ.

وإنْ كانَ الأسيرُ شَيخًا لا قِتالَ فيه أو مَجنونًا أو امرأةً أو صَبيًّا أو عَبدًا .. لم يُحبَسوا؛ لأنهم لَيسوا مِنْ أهلِ البَيعةِ على القتالِ.

قالَ العَمرانِيُّ : ومِن أصحابِنا مَنْ قالَ: يُحبَسونَ؛ لأنَّ في ذلكَ كَسرًا لقُلوبِهم وإقلالًا لجَمعِهم، والمَنصوصُ هو الأولُ (١).


(١) «البيان» (١٢/ ٢٦)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>