للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحَروريةِ فتَزوَّجتْ، ثم إنها رجَعَتْ إلى أهلِها تائبةً، قالَ: فكَتبَ إليه: أما بعدُ، فإنَّ الفِتنةَ الأُولى ثارَتْ وأصحابُ رَسولِ اللهِ مَنْ شَهِدَ بَدرًا كَثيرٌ، فاجتَمعَ رَأيُهم على ألا يُقيمُوا على أحَدٍ حَدًّا في فَرجٍ استَحلُّوه بتَأويلِ القُرآنِ، ولا قِصاصًا في دمٍ استَحلُّوه بتَأويلِ القُرآنِ، ولا يُرَدُّ مالٌ استَحلُّوه بتأويلِ القُرآنِ، إلا أنْ يُوجَدَ شَيءٌ بعَينِه، فيُرَدُّ على صاحبِه، وإني أَرى أنْ تُرَدَّ على زوجِها، وأنْ يُحَدَّ مِنْ افتَرى عليها»، ومثلُه لا يَكذبُ، فانعَقدَ الإجماعُ مِنْ الصَّحابةِ على ما قُلنا وإنه حُجةٌ قاطِعةٌ.

والمَعنى في المَسألةِ ما نبَّهَ عليهِ الصَّحابةُ ، وهو أنَّ لهم في الاستِحلالِ تَأويلًا في الجُملةِ وإنْ كانَ فاسِدًا، لكنْ لهم مَنعةٌ، والتأويلُ الفاسدُ عندَ قِيامِ المَنعةِ يَكفي لرَفعِ الضَّمانِ كتأويلِ أهلِ الحَربِ، ولأنَّ الوِلايةَ مِنْ الجانبَينِ مُنقطِعةٌ؛ لوُجودِ المَنعةِ، فلَم يكنِ الوُجوبُ مُفيدًا لتعذُّرِ الاستيفاءِ، فلَم يَجبْ، ولو فَعَلوا شَيئًا مِنْ ذلكَ قبلَ الخُروجِ وظُهورِ المَنعةِ أو بعدَ الانهزامِ وتَفرُّقِ الجَمعِ يُؤخَذونَ به؛ لأنَّ المَنعةَ إذا انعَدمَتِ الولايةُ وبَقيَ مُجرَّدُ تأويلٍ فاسِدٍ، فلا يُعتبَرُ في دَفعِ الضَّمانِ.

ولو قتَلَ تاجرٌ مِنْ أهلِ العَدلِ تاجرًا آخَرَ مِنْ أهلِ العَدلِ في عَسكرِ أهلِ البَغيِ، أو قتَلَ الأسيرُ مِنْ أهلِ العَدلِ أسيرًا آخَرَ أو قطَعَ ثم ظهَرَ عليهِ فلا قِصاصَ عليهِ؛ لأنَّ الفِعلَ لم يَقعْ مُوجِبًا؛ لتعذُّرِ الاستيفاءِ وانعِدامِ الوِلايةِ، كما لو قطَعَ في دارِ الحَربِ؛ لأنَّ عَسكرَ أهلِ البغيِ في حقِّ انقطاعِ الولايةِ ودارَ الحَربِ سَواءٌ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٤١، ١٤٢)، و «الهداية» (٢/ ١٧٢)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ١٠٦)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٥٣)، و «مجمع الضمانات» (٢/ ٨١٩)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٢٦٦، ٢٦٧)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٣٠٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٢٧٩)، و «البيان» (١٢/ ٢٩)، و «المغني» (٩/ ٩)، و «الإنصاف» (١٠/ ٣١٦)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>