للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعاصٍ ارتَكبوها، وهي دونَ الكُفرِ في القُبحِ والحُرمةِ، وبَقيَت الذِّمةُ مع الكُفرِ، فمَع المَعصيةِ أوْلى (١).

قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : ولو امتَنعَ الذِّميُّ من إِعطاءِ الجِزيةِ لا يُنتقَضُ عَهدُه؛ لأنَّ الامتِناعَ يَحتمِلُ أنْ يَكونَ لعُذرِ العَدمِ، فلا يُنتقَضُ العَهدُ بالشَّكِّ والاحتِمالِ، وكذلك لو سَبَّ النَّبيَّ لا يُنتقَضُ عَهدُه؛ لأنَّ هذا زيادةُ كُفرٍ على كُفرٍ، والعَهدُ يَبقى مع أصلِ الكُفرِ، فيَبقى مع الزِّيادةِ، وكذلك لو قتَلَ مُسلمًا أو زَنى بمُسلِمةٍ؛ لأنَّ هذه مَعاصٍ ارتكَبوها، وهي دونَ الكُفرِ في القُبحِ والحُرمةِ، ثم بَقيَت الذِّمةُ مع الكُفرِ، فمَع المَعصيةِ أوْلى، واللهُ تَعالى أعلَمُ (٢).

لكنْ قالَ ابنُ القَيمِ عن قَولِ الحَنفيةِ هذا: ويَحمِلونَ ما جاءَ عن النَّبيِّ من القَتلِ في مِثلِ هذه الجَرائمِ على أنَّه رأى المَصلحةَ في ذلك، ويُسمُّونه القَتلَ سياسةً.

وكانَ حاصِلُه: أنَّ للإمامِ أنْ يُعزِّرَ بالقَتلِ في الجَرائمِ التي تَغلَّظت بالتَّكرارِ، وشُرعَ القَتلُ في جِنسِها، ولهذا أفتَى أكثَرُ أصحابِهم بقَتلِ مَنْ أكثَرَ مِنْ سَبِّ النَّبيِّ من أهلِ الذِّمةِ وإنْ أسلَمَ بعدَ أخذِه. وقالُوا: يُقتَل سياسةً، وهذا مُتوجَّهٌ على أُصولِهم (٣).


(١) «البدائع» (٧/ ١١٣)، و «الهداية مع فتح القدير» (٥/ ٣٠٢، ٣٠٣).
(٢) «البدائع» (٧/ ١١٣).
(٣) «أحكام أهل الذمة» (٢/ ٢١٤، ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>