للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذِميٍّ خَمرًا، فلا ضَمان عليه، وبهذا قالَ الشافِعيُّ.

وقالَ أبو حَنيفةَ ومالِكٌ: يَجبُ ضَمانُهما إذا أَتلَفهما على ذِميٍّ، قالَ أبو حَنيفةَ: إنْ كانَ مُسلمًا بالقِيَمةِ وإنْ كانَ ذِميًّا بالمِثلِ؛ لأنَّ عَقدَ الذِّمةِ إذا عصَمَ عَينًا قَوَّمها كنَفسِ الآدميِّ، وقد عصَمَ خَمرَ الذِّميِّ، بدَليلِ أنَّ المُسلِمَ يُمنَعُ من إِتلافِها، فيَجبُ أنْ يُقوِّمَها؛ ولأنَّها مالٌ لهم يَتموَّلونَها، بدَليلِ ما رُوي عن عُمرَ «أنَّ عامِلَه كتَبَ إليه: إنَّ أهلَ الذِّمةِ يَمُرُّونَ بالعاشرِ، ومعهم الخُمورُ، فكتَبَ إليه عُمرُ: وَلُّوهم بَيعَها، وخُذوا منهم عُشرَ ثَمنِها». وإذا كانَت مالًا لهم وجَبَ ضَمانُها كسائرِ أَموالِهم.

ولنا: أنَّ جابِرًا رَوى أنَّ النَّبيَّ قالَ: «إنَّ اللهَ ورَسولَه حرَّمَ بَيعَ الخَمرِ والمَيْتةِ والخِنزيرِ والأَصنامِ» مُتَّفقٌ على صِحتِه.

وما حرُمَ بَيعُه لا لحُرمتِه لم تَجِبْ قيمَتُه كالمَيْتةِ، ولأنَّ ما لم يَكنْ مَضمونًا في حَقِّ المُسلمِ لم يَكنْ مَضمونًا في حَقِّ الذِّميِّ كالمُرتدِّ، ولأنَّها غيرُ مُتقوَّمةٍ فلا تُضمَنُ كالمَيتةِ، ودَليلُ أنَّها غيرُ مُتقوَّمةٍ في حَقِّ المُسلمِ فكذلك في حَقِّ الذِّميِّ؛ فإنَّ تَحريمَها ثبَتَ في حَقِّهما، وخِطابُ النَّواهي يَتوجَّهُ إليهما، فما ثبَتَ في حَقِّ أحدِهما ثبَتَ في حَقِّ الآخَرِ، ولا نُسلِّمُ بأنَّها مَعصومةٌ؛ بل مَتى أُظهِرت حلَّت إِراقتُها، ثم لو عصَمَها ما لزِمَ تَقويمُها؛ فإنَّ نِساءَ أهلِ الحَربِ وصِبيانَهم مَعصومونَ غيرُ مُتقوَّمينَ.

وقَولُهم: إنَّها مالٌ عندَهم يَنتقِضُ بالعبدِ المُرتدِّ؛ فإنَّه مالٌ عندَهم، وأمَّا حَديثُ عُمرَ، فمَحمولٌ على أنَّه أراد تَركَ التَّعرُّضِ لهم، وإنَّما أمرَ بأخذِ عُشرِ أثمانِها؛ لأنَّهم إذا تبايَعوا وتَقابَضوا حكَمنا لهم بالمِلكِ ولمْ ننقُضْه،

<<  <  ج: ص:  >  >>