للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجُمهورُ الفُقهاءِ (الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ) على أنَّ مُدةَ الإقامةِ في دارِ الإسلامِ للمُستأمَنِ لا تَبلغُ سَنةً، فإذا أَقامَ فيها سَنةً كامِلةً أو أكثَرَ تُفرضُ عليه الجِزيةُ، ويَصيرُ بعدَها ذِميًّا.

فطولُ إقامةِ غيرِ المُسلِمينَ قَرينةٌ على رِضاهم بالإقامةِ الدائِمةِ وقَبولِهم شُروطَ أهلِ الذِّمةِ (١).

هذا وقد فصَّلَ فُقهاءُ الحَنفيةِ في هذا المَوضوعِ فقالُوا: الأصلُ أنَّ الحَربيَّ إذا دخَلَ دارَ الإسلامِ بأمانٍ يَنبَغي للإمامِ أنْ يَتقدَّمَ إليه، فيَضربَ له مُدةً مَعلومةً، على حسَبِ ما يَقتَضيه رأيُه، ويَقولَ له: إنْ جاوَزتَ المُدةَ جَعلتُك من أهلِ الذِّمةِ، فإذا جاوزَها صارَ ذِميًّا، فإذا أَقامَ سَنةً من يَومِ أنْ قالَ له الإمامُ أُخِذتْ منه الجِزيةُ (٢).

وإذا لمْ يَضرِبْ له مُدةً قالَ أكثَرُ الحَنفيةِ: يَصيرَ ذِميًّا بإقامَتِه سَنةً، وقالَ بَعضُهم: إنْ أَقامَ المُستأمَنُ فأطال المُقامَ أمَرَ بالخُروجِ؛ فإنْ أَقامَ بعدَ ذلك حَولًا وُضِعت عليه الجِزيةُ، وعلى هذا فاعتِبارُ السَّنةِ من تاريخِ إنذارِ الإمامِ له بالخُروجِ، فلو أَقامَ سِنينَ من غيرِ أنْ يَتقدَّمَ إليه الإمامُ بالخُروجِ فله الرُّجوعُ إلى دارِ الحَربِ، ولا يَصيرُ ذِميًّا (٣)، ولمْ أجِدْ نَصًّا للمالِكيةِ في تَقديرِ مُدةِ الأمانِ للمُستأمَنِ وصَيرورتِه ذِميًّا.


(١) «البدائع» (٧/ ١١٠)، و «الأحكام السلطانية» للماوردي ص (١٤٦)، و «الأحكام السلطانية» لأبي يعلى ص (٢٢٥).
(٢) «البدائع» (٧/ ١١٠).
(٣) «شرح فتح القدير» (٦/ ٢٣)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٠٩)، و «الخراج» لأبي يوسف ص (١٨٩)، و «مجمع الأنهر» (٢/ ٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>