للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقديرُه مع الآيةِ الأُخرى؛ فإنْ جَاؤوكَ فاحكُمْ بينَهم بما أنزَلَ الله … إلى آخِرِ كَلامِه (١).

وقالَ المالِكيةُ: إذا كانَت الخُصومةُ بينَ ذِميِّينَ خُيِّرَ القاضي في الحُكمِ بينَهم بحُكمِ الإسلامِ في المَظالمِ من الغَصبِ والتَّعدِّي وجَحدِ الحُقوقِ.

وإنْ تَخاصَموا في غيرِ ذلك رُدُّوا إلى أهلِ دِينِهم، إلا أنْ يَرضَوْا بحُكمِ الإسلامِ، وإنْ كانَت الخُصومةُ بينَ مُسلمٍ وذِميٍّ وجَبَ على القاضي الحُكمُ بينَهما.

واستدَلُّوا على ذلك بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢] (٢).

وقالَ الشافِعيةُ: لو تَرافعَ إلينا ذِميٌّ أو مُعاهَدٌ أو مُستأمَنٌ ومُسلِمٌ يَجبُ الحُكمُ بينَهما بشَرعِنا قَطعًا، طالِبًا كانَ المُسلِمُ، أو مَطلوبًا؛ لأنَّه يَجبُ رَفعُ الظُّلمِ عن المُسلمِ، والمُسلمُ لا يُمكِنُ رَفعُه إلى حاكمِ أهلِ الذِّمةِ، ولا تَركُهما مُتنازِعَينَ، فرَدَدنا مَنْ مع المُسلِمِ إلى حاكِمِ المُسلِمينَ؛ لأنَّ الإسلامَ يَعلو ولا يُعلى عليه.

ولو ترافَع ذِمِّيانِ ولم نشتَرِطْ في عَقدِ الذِّمةِ لهما التِزامَ أَحكامِنا وجَبَ علينا الحُكمُ بينَهما في الأظهَرِ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٤/ ٧٨، ٩٠)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٣١١).
(٢) «الاستذكار» (٧/ ٤٥٩، ٤٦١)، و «تفسير القرطبي» (٦/ ١٧٩، ١٨٦)، و «الذخيرة» (٣/ ٤٥٨)، و «شرح ابن بطال» (٨/ ٤٧٦)، و «القوانين الفقهية» ص (١٩٦)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٦٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>