للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اختَلفَ الفُقهاءُ في وُجوبِ قَضاءِ القاضي المُسلِمِ بينَ أهلِ الذِّمةِ من اليَهودِ والنَّصارى والمَجوسِ إذا تَرافَعوا إلينا وكانُوا أهلَ ذِمةٍ، أو عَدمِ وُجوبِه؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه إذا تَحاكَم أهلُ الذِّمةِ إلى الإمامِ فليسَ له أنْ يُعرِضَ عنهم، ونَصُّوا على أنَّ المُسلِمينَ وأهلَ الذِّمةِ سَواءٌ في عُقودِ المُعامَلاتِ والتِّجاراتِ والحُدودِ، إلا أنَّهم لا يُرجَمونَ؛ لأنَّهم غيرُ مُحصَنينَ.

واختَلفَ الحَنفيةُ في مُناكَحاتِهم، فقالَ أبو حَنيفةَ: هُمْ مُقَرُّونَ على أَحكامِهم، لا يُعترَضُ عليهم فيها إلا أنْ يَرضَوْا بأَحكامِنا.

وقالَ مُحمدٌ : إذا رضِيَ أحدُهما حُمِلَا جَميعًا على أحكامِنا، وإنْ أبى الآخَرُ إلا في النِّكاحِ بغيرِ شُهودٍ خاصةً.

وقالَ أبو يُوسفَ : يُحمَلونَ على أَحكامِنا وإنْ أَبَوا إلا في النِّكاحِ بغيرِ شُهودٍ، نُجيزُه إذا تَراضَوْا بها.

قالَ الإمامُ الجَصاصُ : قالَ أصحابُنا: أهلُ الذِّمةِ مَحمولونَ في البُيوعِ والمَواريثِ وسائرِ العُقودِ على أَحكامِ الإسلامِ كالمُسلِمينَ إلا في بَيعِ الخَمرِ والخِنزيرِ؛ فإنَّ ذلك جائِزٌ فيما بينَهم؛ لأنَّهم مُقَرُّون على أنْ تَكونَ مالًا لهم … وما عَدا ذلك فهو مَحمولٌ على أَحكامِنا؛ لقولِه: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٨]، ورُوي عن النَّبيِّ : أنَّه كتَبَ إلى أهلِ نَجرانَ: «إمَّا أنْ تَذَروا الرِّبا وإمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>