للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُكي أنَّ واحِدًا من مَجوسيِّ سَربلَ كانَ كَثيرَ المالِ حَسنَ التَّعهُّدِ بالمُسلِمينَ فاتَّخذَ دَعوةً لحَلقِ رأسِ وَلدِه فشهِد دَعوتَه كَثيرٌ من المُسلِمينَ وأَهدَى بَعضُهم إليه، فشَقَّ ذلك على مُفتيهم، فكتَبَ إلى أُستاذِه علِيٍّ السَّعديِّ: أنْ أَدرِكْ أهلَ بَلدِك فقد ارتَدُّوا وشهِدوا شِعارَ المَجوسيِّ، وقصَّ عليه القِصةَ، فكتَبَ إليه: إجابةُ دَعوةِ أهلِ الذِّمةِ مُطلَقةٌ في الشَّرعِ، ومُجازاةُ الإِحسانِ من المُروءةِ، وحَلقُ الرأسِ ليسَ من شِعارِ أهلِ الضَّلالةِ، والحُكمُ برِدَّة المُسلمِ بهذا القَدرِ لا يُمكِنُ، والأوْلى للمُسلِمينَ ألَّا يُوافِقوهم على مِثلِ هذه الأَحوالِ لإِظهارِ الفَرحِ والسُّرورِ (١).

ثانيًا: قَولُ المالِكيةِ:

قالَ ابنُ الحاجِّ : سُئلَ ابنُ القاسِمِ عن الرُّكوبِ في السُّفنِ التي يَركبُ فيها النَّصارى لأعيادِهم، فكرِهَ ذلك مَخافةَ نُزولِ السُّخطِ عليهم لكُفرِهم الذي اجتمَعوا له، قالَ: وكرِهَ ابنُ القاسمِ للمُسلمِ أنْ يُهديَ إلى النَّصرانِيِّ في عيدِه مُكافأةً له ورآهُ من تَعظيمِ عِيدِه وعَونًا له على مَصلحةِ كُفرِه، ألا تَرى أنَّه لا يَحِلُّ للمُسلِمينَ أنْ يَبيعوا للنَّصارى شَيئًا من مَصلحةِ عيدِهم لا لحمًا ولا إِدامًا ولا ثَوبًا، ولا يُعارونَ دابةً ولا يُعانونَ على شَيءٍ من دِينِهم؛ لأنَّ ذلك من التَّعظيمِ لشِركِهم وعَونِهم على كُفرِهم.

ويَنبَغي للسَّلاطينِ أنْ يَنهَوُا المُسلِمينَ عن ذلك، وهو قَولُ مالِكٍ وغيرِه لم أعلَمْ أحَدًا اختَلفَ في ذلك، انتَهى (٢).


(١) «حاشية رد المحتار على الدر المختار» (٦/ ٧٥٤، ٧٥٥).
(٢) «المدخل» (٢/ ٤٧، ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>