للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قالَ تَعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] فنَدبَ إلى الفَضلِ وأوجَبَ العَدلَ ولا يُنافي هذا شَيئًا من أَحاديثِ البابِ بوَجهٍ ما؛ فإنَّه إنَّما أمَرَ بالاقتِصارِ على قَولِ الرادِّ: «وعليكم»، بِناءً على السَّببِ المَذكورِ الذي كانُوا يَعتمِدونَه في تحيَّتِهم، وأَشارَ إليه في حَديثِ عائِشةَ فقالَ: «ألا تَرَيْنني قُلتُ: وعليكم» لمَّا قالُوا: «السامُ عليكم»، ثم قالَ: «إذا سلَّمَ عليكم أهلُ الكِتابِ فقولوا: وعليكم»، والاعتِبارُ -وإنْ كانَ لعُمومِ اللَّفظِ- إنَّما يُعتبَرُ عُمومُه في نَظيرِ المَذكورِ لا فيما يُخالِفُه.

فقالَ تَعالى: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [المجادلة: ٨] فإذا زالَ هذا السَّببُ، وقالَ الكِتابيُّ: سَلامٌ عليكم ورَحمةُ اللهِ، فالعَدلُ في التَّحيةِ يَقتَضي أنْ يَردَّ عليه نَظيرَ سَلامِه وباللهِ التَّوفيقُ (١).

وقالَ النَّوويُّ : قالَ أبو سَعدٍ: لو أرادَ تَحيةَ ذِميٍّ فعلها بغيرِ السلامِ؛ بأنْ يَقولَ: هداك اللهُ أو أنعَمَ اللهُ صباحَك.

قُلتُ: هذا الذي قالَه أبو سَعدٍ لا بأسَ به إذا احتاجَ إليه، فيَقولُ: صُبِّحت بالخَيرِ أو السعادةِ أو بالعافيةِ، أو صبَّحَك اللهُ بالسُّرورِ أو بالسَّعادةِ والنِّعمةِ أو بالمَسرةِ، أو ما أشبَهَ ذلك، وأمَّا إذا لمْ يَحتجْ إليه فالاختيارُ ألَّا يَقولَ شَيئًا؛ فإنَّ ذلك بَسطٌ له وإِيناسٌ وإِظهارُ صُورةِ وُدٍّ، ونحن


(١) «أحكام أهل الذمة» (١/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>