للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المُسقِطونَ: هي عُقوبةٌ فتَسقُطُ بالمَوتِ كالحُدودِ، ولأنَّها صَغارٌ وإذلالٌ، فزال بزَوالِ مَحَلِّه، وقَولُكم: إنَّها دَينٌ فلا تَسقُطُ بالمَوتِ إنَّما يَتأتَّى على أصلِ مَنْ لا يُسقِطُها بالإسلامِ، وأمَّا من أسقَطها بالإسلامِ فلا يَصحُّ منه، هذا الاستِدلالُ ولا رَيبَ أنَّ الجِزيةَ عُقوبةٌ وحقٌّ عليه، ففيها الأَمرانِ، فمَن غلَبَ جانِبَ العُقوبةِ أسقَطها بالمَوتِ كما تَسقُطُ العُقوباتُ الدُّنيويةُ عن المَيِّتِ، ومن غلَبَ فيها جانِبَ الدَّينِ لم يُسقِطْها والمَسألةُ تَحتمِلُه، واللهُ أعلَمُ (١).

ثالِثًا: اجتِماعُ جِزيةِ سَنتَينِ فأكثَرَ:

اختَلفَ العُلماءُ في الذِّميِّ تَجتمِعُ عليه جِزيةُ سَنتَينِ أو أكثَرَ، هل تَتداخَلُ وتُؤخذُ منه جِزيةٌ واحِدةٌ أو تُستَوفى منه كلُّها؟

فذهَبَ جُمهورُ العُلماءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ والصاحِبانِ من الحَنفيةِ (أبو يُوسفَ ومُحمدٌ) إلى أنَّها لا تَتداخَلُ وتُستَوفى منه كلُّها.

واستدَلُّوا على ذلك بأنَّ الجِزيةَ حقٌّ ماليٌّ يَجبُ في آخِرِ كلِّ حَولٍ، فلم تَتداخَلْ كالزَّكاةِ والدِّيةِ وغيرِهما.

ولأنَّ المُدةَ لا تأثيرَ لها في إسقاطِ الواجِبِ كخَراجِ الأرضِ (٢).


(١) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٦٢).
(٢) «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٧٩)، و «الخراج» لأبي يوسف ص (١٢٣)، و «المغني» (١٢/ ٦٧٦)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٢٠٢)، و «المنتقى» (٢/ ١٧٦)، و «بلغة السالك» (٢/ ٢٠١)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٣٨٢)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ٣١٢)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٦٢)، و «الإفصاح» (٢/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>