للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الاختِلافُ يَدلُّ على أنَّها إلى رأيِ الإمامِ، لولا ذلك لكانَت على قَدرٍ واحِدٍ في جَميعِ هذه المَواضِعِ ولم يَجزْ أنْ تَختلِفَ. ويُؤيِّدُ ذلك ما رَوى البُخاريُّ عن ابنِ عُيَينةَ عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، قُلتُ لمُجاهِدٍ: ما شَأنُ أهلِ الشامِ عليهم أربَعةُ دَنانِيرَ، وأهلُ اليَمنِ عليهم دِينَارٌ؟ قالَ: جُعِلَ ذلك من قِبَلِ اليسَارِ (١).

ولأنَّ المالَ المَأخوذَ على الأمانِ ضَربانِ: هُدنةٌ وجِزيةٌ، فلمَّا كانَ المَأخوذُ هُدنةً إلى اجتِهادِ الحاكِمِ، فكذلك المَأخوذُ جِزيةً، ولأنَّ الجِزيةَ عِوضٌ فلم تُقدَّرْ بمِقدارٍ واحِدٍ في جَميعِ المَواضعِ كالأُجرةِ (٢).

قالَ ابنُ رُشدٍ : وسَببُ اختِلافِهم اختِلافُ الآثارِ في هذا البابِ، وذلك أنَّه رُوي أنَّ رَسولَ اللهِ بعَثَ مُعاذًا إلَى اليَمنِ، وأمَرَه أنْ يَأخذَ مِنْ كُلِّ حالِمٍ دينارًا، أو عَدلَه مَعافِرَ، وهي ثِيابٌ باليَمنِ (٣).

وثبَتَ عن عُمرَ أنَّه ضرَبَ الجِزيةَ على أهلِ الذَّهبِ أربَعةَ دَنانيرَ، وعلى أهلِ الوَرِقِ أربَعينَ دِرهمًا، مع ذلك أرزاقُ المُسلِمينَ، وضِيافَة ثَلاثةِ أيامٍ.

ورُوي عنه أيضًا أنَّه بعَثَ عُثمانَ بنَ حُنَيفٍ فوضَعَ الجِزيةَ على أهلِ السَّوادِ ثَمانيةً وأربَعينَ، وأربَعةً وعِشرينَ واثنَيْ عَشرَ.


(١) رواه البخاري (٣/ ١١٥١).
(٢) «المغني» (١٢/ ٦٦٣، ٦٦٤)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٣٨، ٣٩)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٣٠)، و «المبدع» (٣/ ٤١١)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٢١)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٢٧).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وقد تَقدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>