للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أصحابُ الشافِعيِّ: الدَّليلُ على أنَّها وجَبَت بَدلًا من حَقنِ الدَّمِ وسُكنى الدارِ أنَّها تَجِبُ بالمُعاقَدةِ والتَّراضي، ولا تَقِفُ العُقوباتُ على الاتِّفاقِ والرِّضا، وأيضًا فإنَّها تَختلِفُ باليسَارِ والإعسارِ، ولا تَختلِفُ العُقوباتُ بذلك، وأيضًا فإنَّ الجِزيةَ تَجِبُ مُؤجَّلةً، والعُقوباتِ تَجِبُ مُعجَّلةً، وهذا لا يَصحُّ.

وأمَّا قَولُهم: إنَّها وجَبَت بالرِّضا فغيرُ مُسلَّمٍ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى أمَرَنا بقِتالِهم حتى يُعطوها قَهرًا.

وأمَّا إنكارُهم اختِلافَ العُقوباتِ بالقِلةِ واليسَارِ فذلك باطِلٌ من الإنكارِ؛ لأنَّ ذلك إنَّما يَبعدُ في العُقوباتِ البَدنيةِ دونَ الماليةِ، ألَا تَرى أنَّ العُقوباتِ البَدنيةَ تَختلِفُ بالثُّيوبةِ والبَكارةِ والإنكارِ، فكما اختَلفَت عُقوبةُ البَدنِ باختِلافِ صِفةِ المُوجَبَ عليه لا يُستنكَرُ أنْ تَختلِفَ عُقوبةُ المالِ باختِلافِ صِفةِ المالِ في الكَثرةِ والقِلةِ.

وأمَّا تأجيلُها فإنَّما هو بحسَبِ ما يَراهُ الإمامُ مَصلَحةً، وليسَ ذلك بضَربةِ لازِبٍ فيها، وقد استَوفَيناها في مَسائلِ الخِلافِ.

وفائِدتُها أنَّا إذا قُلنا: إنَّها بَدلٌ من القَتلِ فإذا أسلَمَ سقَطت عنه لسُقوطِ القَتلِ.

وعندَ الشافِعيِّ أنَّها دَينٌ استقَرَّ في الذِّمةِ فلا يُسقِطُه الإسلامُ كأُجرةِ الدارِ (١).


(١) «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٤٨٠، ٤٨١)، و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (٨/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>