للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقِسمٌ غيرُ مُسالِمٍ يُقاتِلُ المُسلِمينَ ويُخرِجُهم من ديارِهم ويُظاهِرُ على إخراجِهم، فنَهى اللهُ المُسلِمينَ عن مُوالاتِهم، وفرَّقَ بينَ الإذنِ بالبِرِّ والقِسطِ، وبينَ النَّهيِ عن المُوالاةِ والمَودةِ، ويَشهَدُ لهذا التَّقسيمِ ما في الآيةِ الأُولى مِنْ قَرائنَ، وهي عُمومُ الوَصفِ بالكُفرِ، وخُصوصُ الوَصفِ بإخراجِ الرَّسولِ وإياكم.

ومَعلومٌ أنَّ إخراجَ الرَّسولِ والمُسلِمينَ من ديارِهم كانَ نَتيجةً لقِتالِهم وإيذائِهم، فهذا القِسمُ هو المَعنيُّ بالنَّهيِ عن مُوالاتِه لمَوقِفِه المُعادي؛ لأنَّ المُعاداةَ تُنافي المُوالاةَ؛ ولِذا عقَّبَ عليه بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: ٩] فأيُّ ظُلمٍ بعدَ مُوالاةِ الفَردِ لأعداءِ أُمَّتِه وأعداءِ اللهِ ورَسولِه.

أمَّا القِسمُ العامُّ وهُم الذين كَفروا بما جاءَهم من الحَقِّ لكنَّهم لم يُعادوا المُسلِمينَ في دِينِهم لا بقِتالٍ ولا بإخراجٍ ولا بمُعاوَنةِ غيرِهم عليهم، ولا ظاهَروا على إخراجِهم، فهَؤلاء من جانِبٍ ليسُوا مَحلًّا للمُوالاةِ لكُفرِهم، وليسَ منهم ما يَمنعُ بِرَّهم والإقساطَ إليهم (١).

وقالَ ابنُ القَيمِ : فإنَّ اللهَ سُبحانَه لمَّا نَهى في أوَّلِ السُّورةِ عن اتِّخاذِ المُسلِمينَ الكُفارَ أولياءَ، وأمر بقَطعِ المَودةِ بينَهم وبينَهم، تَوهَّمَ بَعضُهم أنَّ بِرَّهم والإحسانَ إليهم مِنْ المُوالاةِ والمَودةِ؛ فبيَّنَ اللهُ سُبحانَه أنَّ ذلك ليسَ من المُوالاةِ المَنهيِّ عنها، وأنَّه لم يَنهَ عن ذلك، بل هو مِنْ


(١) «الفواكه العذاب» (٨/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>