للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسمومةَ في المُسلِمينَ، وكانَ هو ممَّن يَسمَعُ قَولَه فيه، فلمَّا دخَلَ عليه في صُورةِ المُغضَبِ وكانَ الوَزيرُ الراهِبُ بإزائِه جالِسًا، أنشَدَه:

يا أيُّها المَلِكُ الذي جُودُه … يَطلُبُه القَاصِدُ والراغِبُ

إنَّ الذي شُرِّفْتَ مِنْ أجلِه … يَزعُمُ هذا أنَّه كاذِبُ

فاشتَدَّ غَضبُ الخَليفةِ عندَ سَماعِ الأبياتِ وأمَرَ بالراهِبِ فسُحبَ وضُربَ وقُتلَ، وأقبَلَ على الشَّيخِ أبي بَكرٍ فأكرَمَه وعظَّمَه بعدَ عَزمِه على إيذائِه، لكنَّه لمَّا استَحضَرَ تَكذيبَ الراهِبِ لرَسولِ اللهِ الذي هو سَببُ شَرفِه وشَرفِ آبائِه وأهلِ السَّمَواتِ والأرضِينَ بَعثَه ذلك على البُعدِ عن السُّكونِ إليه والمَودةِ له وأبعَدَه عن مَنازلِ العِزِّ إلى ما يَليقُ به من الذُّلِّ والصَّغارِ، ويُروَى عن عُمرَ أنَّه كانَ يَقولُ في أهلِ الذِّمةِ: «أَهِينُوهم ولَا تَظلِمُوهم»، وكتَبَ إليه أبو موسى الأشعَريُّ أنَّ رَجُلًا نَصرانيًّا بالبَصرةِ لا يُحسِنُ ضَبطَ خَراجِها إلا هو، وقصَدَ وِلايتَه على جِبايةِ الخَراجِ لضَرورةِ تَعذُّرِ غيرِه، فكتَبَ إليه عُمرُ بنُ الخَطابِ يَنهاه عن ذلك، وقالَ له في الكِتابِ: «ماتَ النَّصرانِيُّ، والسَّلامُ».

أي: افتَرِضْ أنَّه ماتَ، ماذا كُنْتَ تَصنَعُ حينَئذٍ فاصنَعْه الآنَ.

وبالجُملةِ فبِرُّهم والإحسانُ إليهم مأمورٌ بهما، ووُدُّهم وتَولِّيهم مَنهيٌّ عنهما، فهُما قاعِدتانِ إحداهُما مُحرَّمةٌ والأُخرى مأمورٌ بها، وقد أوضَحتُ لك الفَرقَ بينَهما بالبَيانِ والمَثَلِ فتَأمَّلْ ذلك (١).


(١) «الفروق» (٣/ ٢٩، ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>