فألزَمه بالعَقدِ والميثاقِ، ثم صارَ يُستعمَلُ في كلِّ ما يُمكِنُ أخذُ الحَقِّ من جِهتِه، سَواءٌ وجَبَ بعَقدِه أو بغيرِ عَقدِه، كبَدلِ المُتلَفِ؛ فإنَّه يُقالُ: هو في ذِمتِه، وسَواءٌ وجَبَ بفِعلِه أو بفِعلِ وَليِّه أو وَكيلِه كوَليِّ الصَّبيِّ والمَجنونِ ووَليِّ بَيتِ المالِ والوَقفِ؛ فإنَّ بَيتَ المالِ والوَقفَ يُثبِتُ له حَقًّا، ويُثبِتُ عليه حَقًّا، كما يُثبِتُ للصَّبيِّ والمَجنونِ، ويُطالَبُ وَليُّه الذي له أنْ يَقبِضَ له، ويَقبِضُ ما عليه.
وهكذا لفظُ الصُّلحِ عامٌّ في كلِّ صُلحٍ، وهو يَتناوَلُ صُلحَ المُسلِمينَ بَعضِهم مع بَعضٍ، وصُلحَهم مع الكُفارِ، ولكنْ صارَ أهلُ الذِّمةِ في اصطِلاحِ كَثيرٍ من الفُقهاءِ عِبارةً عمَّن يُؤدِّي الجِزيةَ.
وهؤلاء لهم ذِمةٌ مُؤبَّدةٌ، وهؤلاء قد عاهَدوا المُسلِمينَ على أنْ يَجريَ عليهم حُكمُ اللهِ ورَسولِه، إذْ هُمْ مُقيمونَ في الدارِ التي يَجري فيها حُكمُ اللهِ ورَسولِه بخِلافِ أهلِ الهُدنةِ؛ فإنَّهم صالَحوا المُسلِمينَ على أنْ يَكونوا في دارِهم، سَواءٌ كانَ الصُّلحُ على مالٍ أو غيرِ مالٍ، لا تَجري عليهم أحكامُ الإسلامِ كما تَجري على أهلِ الذِّمةَ؛ لكنْ عليهم الكَفُّ عن مُحارَبةِ المُسلِمينَ، وهؤلاء يُسمَّونَ أهلَ العَهدِ وأهلَ الصُّلحِ وأهلَ الهُدنةِ.
وأمَّا المُستأمَنُ: فهو الذي يَقدَمُ بِلادَ المُسلِمينَ من غيرِ استِيطانٍ لها، وهؤلاء أربَعةُ أقسامٍ: رُسلٌ وتُجَّارٌ ومُستَجيرونَ حتى يُعرَضَ عليهم الإسلامُ والقُرآنُ؛ فإنْ شاؤُوا دخَلوا فيه، وإنْ شاؤُوا رجَعوا إلى بِلادِهم، وكذلك طالِبُو حاجةٍ من زيارةٍ أو غيرِها، وحُكمُ هؤلاء ألَّا يُهاجِروا ولا يُقتَلوا ولا تُؤخذُ منهم الجِزيةُ، وأنْ يُعرَضَ على المُستَجيرِ منهم الإسلامُ