للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه أنْ يُعلِمَهم بأنَّه يُريدُ أنْ يَغزُوَهم، وأنَّ الصُّلحَ الذي كانَ بينَهم قد ارتفَع، فيَكونَ الفَريقانِ في ذلك على السَّواءِ.

ولا يَجوزُ أنْ يَبدأَهم بقِتالٍ ولا غارةٍ قبلَ إعلامِهم بنَقضِ العَهدِ للآيةِ ولأنَّهم آمِنونَ بحُكمِ العَهدِ فلا يَجوزُ قَتلُهم ولا أخذُ مالِهم.

ولا تُنتقَضُ الهُدنةُ إلا أنْ يَحكُمَ الإمامُ بنَقضِها؛ لقَولِه ﷿: ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: ٥٨]، ولأنَّ نقضَها لخَوفِ الخِيانةِ، وذلك يَفتقِرُ إلى نَظرٍ واجتِهادٍ فافتَقَر إلى الحاكِمِ.

فإنْ قيلَ: كيف يَجوزُ نَقضُ العَهدِ مع خَوفِ الخِيانةِ والخَوفُ ظَنٌّ لا يَقينَ معه فكيف يَسقُطُ يَقينُ العَهدِ بظَنِّ الخِيانةِ؟

فعنه جَوابانِ:

أحدُهما: أنَّ الخَوفَ ههنا بمَعنى اليَقينِ كما يأتي الرَّجاءُ بمَعنى العِلمِ كقَولِه: ﴿لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣].

الثانِي: أنَّه إذا ظهَرَت آثارُ الخِيانةِ وثبَتَت دَلائِلُها وجَبَ نَبذُ العَهدِ لئلَّا يُوقِعَ التَّمادي عليه في الهَلكةِ، وجازَ إسقاطُ اليَقينِ ههنا بالظَّنِّ للضَّرورةِ، وإذا كانَ العَهدُ قد وقَعَ فهذا الشَّرطُ عادةً وإنْ لم يُصرَّحَ به لفظًا إذْ لا يُمكِنُ أكثَرُ من هذا (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٠٩)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٢٤٠)، و «أحكام القرآن» للكيا هراسي (٣/ ١٦٢)، و «المهذب» (٢/ ٢٦٣)، و «البيان» (١٢/ ٣٢٧، ٣٢٨)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٥٦)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٩٨)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٤٥)، و «كنز الراغبين» (٤/ ٥٨٥)، و «المغني» (٩/ ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>