للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتُبِرَ ذلك بالخُلفاءِ الراشِدينَ الذين هُمْ أعلَمُ الأُمةِ بأُمورِ رَسولِ اللهِ وسُنتِه، وأَحوالِه، خُصوصًا الصِّدِّيقَ الذي لم يَكُنْ يُفارِقُه حَضَرًا ولا سَفرًا، بل كانَ يَكونُ معه في غالِبِ الأَوقاتِ، حتى إنَّه يَسمُرُ عندَه باللَّيلِ في أُمورِ المُسلِمينَ، وكذلك عُمرُ بنُ الخَطابِ ، فإنَّه كَثيرًا ما يَقولُ: «ودخَلتُ أنا وأبو بَكرٍ وعُمرُ وخرَجتُ أنا وأَبو بَكرٍ وعُمرُ» (١).

ثم مع ذلك لمَّا سُئلَ أبو بَكرٍ عن مِيراثِ الجَدةِ؟ قالَ: «ما لَكِ في كِتابِ اللهِ من شَيءٍ، وما علِمتُ لكِ في سُنةِ رَسولِ اللهِ من شَيءٍ، ولكنْ أَسألُ الناسَ» فسألَهم، فقامَ المُغيرةُ بنُ شُعبةَ ومُحمدُ بنُ مَسلَمةَ فشهِدا: «أنَّ النَّبيَّ أَعطاها السُّدسَ» (٢)، وقد بلَّغَ هذه السُّنةَ عِمرانُ بنُ حُصَينٍ أيضًا.

وليسَ هؤلاء الثَّلاثةُ مِثلَ أبي بَكرٍ وغيرِه من الخُلفاءِ ثم قد اختُصُّوا بعِلمِ هذه السُّنةِ التي قد اتَّفَقت الأُمةُ على العَملِ بها.

وكذلك عُمرُ بنُ الخَطابِ لم يَكُنْ يَعلمُ سُنةَ الاستِئذانِ، حتى أخبَرَه بها أَبو موسَى الأَشعريُّ واستَشهدَ بالأَنصارِ، وعُمرُ أعلَمُ ممَّن حدَّثَه بهذه السُّنةِ (٣).


(١) رواه البخاري (٣٤٨٢) ومسلم (٢٣٨٩).
(٢) رواه أبو داود (٢٨٩٤)، الترمذي (٢١٠١)، ابن ماجه (٢٢٧٢٤) وابن حبان (١٢٢٤).
(٣) عن عُبيدِ اللهِ بنِ عُمَيرٍ «أنَّ أَبا موسَى الأَشعريَّ استَأذنَ على عُمرَ بنِ الخَطابِ فلم يُؤذَنْ له وكأنَّه كانَ مَشغولًا فرجَعَ أَبو موسَى ففرَغَ عُمرُ فقالَ: أَلم أسمَعْ صَوتَ عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ ائذَنوا له، قيلَ: قد رجَعَ، فدَعاه، فقالَ: كنَّا نُؤمَرُ بذلك، فقالَ تَأتيني على ذلك بالبَيِّنةِ، فانطلَقَ إلى مَجلسِ الأَنصارِ فسألَهم، فقالوا: لا يَشهدُ لك على هذا إلا أصغَرُنا، أَبو سَعيدٍ الخُدريُّ، فذهَبَ بأَبي سَعيدٍ الخُدريِّ فقالَ عُمرُ: أخَفِيَ هذا علَيَّ من أمرِ رَسولِ اللهِ ، ألهاني الصَّفقُ بالأَسواقِ، يَعني الخُروجَ إلى تِجارةٍ» رَواه البخاري (١٩٥٦) ومسلم (٢١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>