للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعطاءِ المُشرِكينَ في قَضيةِ الأحزابِ لمَّا أحاطُوا بالمَدينةِ وقد وقَعَ ذلك من مُعاويةَ وابنِ مَروانَ (١).

وقالَ الشافِعيةُ: لا يَجوزُ عَقدُ الهُدنةِ على شَرطٍ فاسِدٍ كمُهادَنتِهم على مالٍ يَحمِلُه المُسلِمونَ إليهم، فلا يَجوزُ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى قد أعزَّ الإسلامَ وأهلَه، وأظهَرَه على الأديانِ كلِّها، وجعَلَ لهم الجَنةَ قاتِلينَ ومَقتولينَ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ [التوبة: ١١١].

فلم يَجزْ مع ثَوابِ الشَّهادةِ وعِزِّ الإسلامِ أنْ يَدخُلوا في ذُلِّ البَذلِ وصَغارِ الدَّفعِ ما لم تَدعُ ضَرورةٌ إليه؛ فإنْ دعَت إليه الضَّرورةُ، وذلك في إحدى حالتَينِ:

إمَّا أنْ يُحاطَ بطائِفةٍ من المُسلِمينَ في قِتالٍ أو وَطءٍ يَخافونَ معه الاصطِلامَ -أي: الاستِئصالَ-، فلا بأسَ أنْ يَبذُلوا في الدَّفعِ عن اصطِلامِهم مالًا، يَحقِنونَ به دِماءَهم، قد هَمَّ رَسولُ اللهِ عامَ الخَندقِ أنْ يُصالِحَ المُشرِكينَ على الثُّلثِ مِنْ ثِمارِ المَدينةِ، وشاوَرَ الأنصارَ فقالُوا: إنْ كانَ هذا بأمرِ اللهِ سَمِعْنا وأطَعْنا، وإنْ كانَ بغيرِ أمرِه لم نَقبَلْه.

ورَوى أبو سَلمةَ عن أبي هُريرةَ: أنَّ الحارِثَ بنَ عَمرٍو الغَطفانِيَّ رَئيسَ غَطَفانَ قالَ للنَّبيِّ : إنْ جَعَلتَ لي شَطرَ ثِمارِ المَدينةِ وإلا مَلَأتُها عليكَ خَيلًا ورَجِلًا، فقالَ له النَّبيُّ : «حتى أستأذِنَ


(١) «الشرح الكبير» (٢/ ٥٧٢)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٥١)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥١٧)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٤٥٨)، و «منح الجليل» (٣/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>