للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعِوضٍ أو بغيرِ عِوضٍ على وَفقِ الرأيِ السَّديدِ للمُسلِمينَ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] وصالَحَ أهلَ مَكةَ (١).

وقالَ الشافِعيةُ: يُشترطُ لصِحةِ الصُّلحِ والهُدنةِ أنْ يَكونَ للمُسلِمينَ إليه حاجةٌ، وفيه مَصلَحةٌ بأنْ يَكونَ في المُسلِمينَ ضَعفٌ لقِلةِ عَددٍ أو مالٍ أو أُهبةٍ أو بُعدِ العَدوِّ، كما عقَدَها النَّبيُّ في الحُديبَيةِ لكَثرةِ عَددِ المُشرِكينَ إذْ ذاك، ومَنعِهم من دُخولِ مَكةَ.

أو أنْ يَطمَعَ في إسلامِهم لمُخالَطَتِهم المُسلِمينَ؛ لأنَّه هادَنَ صَفوانَ بنَ أُمَيةَ أربَعةَ أشهُرٍ عامَ الفَتحِ وقد كانَ مُستظهِرًا عليه، ولكنَّه فعَلَ ذلك لرَجاءِ إسلامِه، فأسلَمَ قبلَ مُضِيِّها. ولأنَّه لمَّا هادَن أهلَ مَكةَ اتَّسَع الناسُ في التَّصرُّفِ وتَلاقَى المُسلِمونَ والمُشرِكونَ، فسمِعَ المُشرِكونَ القُرآنَ، فذكَرَ أهلُ المَغازي أنَّه أسلَمَ في تلك السِنينَ من المُشرِكينَ أكثَرُ ممَّا أسلَمَ قبلَ ذلك.

أو في قَبولِهم الجِزيةَ أو في أنْ يُعينوه على قِتالِ غيرِهم، ولا يَكفي انتِفاءُ المَفسَدةِ لما فيه مِنْ مُوادَعَتِهم بلا مَصلَحةٍ.

وإذا طلَب الكُفارُ الهُدنةَ فإنْ كانَ فيها ضَرَرٌ على المُسلِمينَ فلا يَخفَى أنَّهم لا يُجابونَ وإلا فوَجهانِ: أحدُهما: تَجِبُ إجابَتُهم، والصَّحيحُ: لا تَجِبُ، بل يَجتهِدُ الإمامُ ويَفعَلُ الأصلَحَ.


(١) «الذخيرة» (٣/ ٤٤٩)، و «الشرح الكبير» (٢/ ٥٢٧)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٥٠)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥١٦، ٥١٧)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>