للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] أي: إنْ مالوا إلى المُصالَحةِ فمِلْ إليهم وصالِحْهم، والمُعتبَرُ في ذلك مَصلَحةُ الإسلامِ والمُسلِمينَ، فيَجوزُ عندَ وُجودِ المَصلَحةِ دونَ عَدمِها، ولأنَّ عليهم حِفظَ أنفُسِهم بالمُوادَعةِ، ألَا تَرى أنَّه صالَحَ أهلَ مَكةَ عامَ الحُديبيةِ على وَضعِ الحَربِ عَشرَ سِنينَ، ولأنَّ المُوادَعةَ إذا كانَت مَصلَحةً للمُسلِمينَ كانَ جِهادًا مَعنًى؛ لأنَّ المَقصودَ دَفعُ الشَّرِّ وقد حصَلَ.

وقَولُ اللهِ تَعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ [التوبة: ٤].

ورَوى مَروانُ والمِسوَرُ بنُ مَخرَمةَ أنَّ النَّبيَّ صالَحَ سُهَيلَ بنَ عَمرٍو بالحُديبيةِ على وَضعِ القِتالِ عَشرَ سِنينَ وكانَ في ذلك نَظرٌ للمُسلِمينَ لمُواطأةٍ كانَت بينَهم وبينَ أهلِ خَيبَرَ ووادَعَ النَّبيُّ قَبائِلَ من المُشرِكينَ، ووادَعَ قُريظةَ والنَّضيرِ.

ولأنَّ الصُّلحَ جِهادٌ في المَعنى إذا كانَ فيه مَصلَحةٌ؛ إذِ المَقصودُ من الجِهادِ دَفعُ الشَّرِّ ولأنَّه قد تَكونُ المَصلَحةُ في الهُدنةِ لضَعفِ المُسلِمينَ عن قِتالِهم أو لطَمعٍ في إسلامِهم أو التِزامِهم الجِزيةَ والتِزامِهم أَحكامَ المِلةِ أو غيرَ ذلك من المَصالحِ، فيُهادِنُهم حتى يَقوَى المُسلِمونَ وما زالت الخُلفاءُ والصَّحابةُ على هذه السَّبيلِ التي شرَعَناها سالِكينَ وبالوُجوهِ التي شَرَحناها عامِلينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>