للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنَّه إذا أرادَ أن يُصلِّيَ بعدَ الوِترِ فإنَّ له عندَ الفُقهاءِ طَريقَتَينِ:

الطَّريقةُ الأُولى: أن يُصلِّيَ شَفعًا ما شاءَ، ثم ألا يُوتِرَ بعدَ ذلك، وإلى هذا ذَهب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابلَةُ والشافِعيَّةُ في المَشهورِ عندَهم، واستدَلُّوا على ذلك بحَديثِ عائِشةَ المُتقدِّمِ أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ يُصلِّي بعدَ الوِترِ رَكعتَينِ.

وبِحَديثِ طَلقِ بنِ علِيٍّ مَرفوعًا: «لَا وِترَانِ في لَيلَةٍ» (١)؛ وهو مَروِيٌّ عن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، وسَعدٍ وعمَّارٍ وابنِ عبَّاسٍ وعائِشةَ ، وقد سُئلَت عن الذي يَنقُضُ وِترَه، فقالَت: «ذَاكَ الذي يَلعَبُ بِوِترِهِ» (٢).

الطَّريقةُ الثَّانيةُ: أن يَبدَأَ نَفلَه برَكعةٍ يَشفَعُ بها وِترَه، ثم يُصلِّيَ شَفعًا ما شاءَ، ثم يُوتِرَ، وهو قولُ بعضِ الشافِعيَّةِ، وهو مَروِيٌّ عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ وعلِيٍّ وأُسامةَ، وسَعدٍ وعمرَ وابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ مَسعودٍ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : ولَعلَّهم ذَهَبوا إلى قولِ النَّبيِّ : «اجعَلوا آخر صَلاتِكم مِنْ اللَّيلِ وِترًا» (٣)، قالَ ابنُ المُنذرِ : هذا في الرَّجلِ يُريدُ الصَّلاةَ مِنْ اللَّيلِ، فإذا أرادَ ذلك، فالسُّنةُ أن يُصلِّيَ مَثنى مَثنَى، ثم يُوتِرَ آخر صَلاتِه، وليس ذلك لِمَنْ قد أوتَرَ مرَّةً؛ إذ ليس مِنْ السُّنةِ أن يُوتِرَ في لَيلةٍ مرَّتينِ، والدَّليلُ على مَعنى قولِ ابنِ عمرَ المَعنى الذي قُلنا أنَّ ابنَ عمرَ -وهو الرَّاوِي لقولِ النَّبيِّ : «اجعَلُوا آخر صَلاتِكُم بِاللَّيلِ وِترًا» -


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٤٣٩)، والتِّرمذي (٤٧٠)، والنسائي (١٦٧٩).
(٢) رواه ابن المُنذِر (٥/ ٢٠٠) بإسناد صحيح.
(٣) رواه البُخاري (٩٥٣)، ومُسلم (٧٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>