للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ الجُوينيُّ : وقد قالَ العُلماءُ: لو خَلا الزَّمانُ عن السُّلطانِ فحقٌّ على قُطَّانِ كلِّ بَلدٍ وسُكانَ كلِّ قَريةٍ أنْ يُقدِّموا من ذَوي الأحلامِ والنُّهى وذَوي العُقولِ والحِجَا مَنْ يَلتزِمونَ امتِثالَ إشارَتِه وأوامِرِه ويَنتَهونَ عن مَناهِيه ومَزاجِرِه؛ فإنَّهم لو لم يَفعَلوا ذلك تَردَّدوا عندَ إلمامِ المُهِمَّاتِ وتَبلَّدوا عندَ إظلالِ الواقِعاتِ (١).

ثم قالَ: ثم كلُّ أمرٍ يَتعاطاه الإمامُ في الأموالِ المُفوَّضةِ إلى الأئِمةِ، فإذا شغَرَ الزَّمانُ عن الإمامِ وخَلا عن سُلطانٍ ذي نَجدةٍ واستِقلالٍ وكِفايةٍ ودِرايةٍ فالأُمورُ مَوكولةٌ إلى العُلماءِ، وحقٌّ على الخَلائقِ على اختِلافِ طَبقاتِهم أنْ يَرجِعوا إلى عُلمائِهم ويَصدُروا في جَميعِ قَضايا الوِلاياتِ عن رأيِهم؛ فإنْ فعَلوا ذلك فقد هُدوا إلى سَواءِ السَّبيلِ، وصارَ عُلماءُ البِلادِ وُلاةَ العِبادِ؛ فإنْ عسُرَ جَمعُهم على واحِدٍ استبَدَّ أهلُ كلِّ صُقعٍ وناحيةٍ باتِّباعِ عالِمِهم.

وإنْ كثُرَ العُلماءُ في الناحيةِ فالمُتَّبعُ أعلَمُهم، وإنْ فُرضَ استِواؤُهم ففَرضُهم نادِرٌ لا يَكادُ يَقعُ؛ فإنِ اتَّفقَ فإصدارُ الرأيِ عن جَميعِهم مع تَناقُضِ المَطالِبِ والمَذاهبِ مُحالٌ، فالوَجهُ أنْ يَتَّفِقوا على تَقديمِ واحِدٍ منهم؛ فإنْ تَنازَعوا وتَمانَعوا وأفضَى الأمرُ إلى شِجارٍ وخِصامٍ فالوَجهُ عندي في قَطعِ النِّزاعِ الإقراعُ، فمَن خرَجَت له القُرعةُ قُدِّمَ (٢).


(١) «غياث الأمم في التياث الظلم» ص (٢٨٠)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٣٧٣)، و «حواشي الشرواني» (١٠/ ١٠٥).
(٢) «غياث الأمم في التياث الظلم» ص (٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>