للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفَ الفُقهاءُ: من أيِّ شَيءٍ يَكونُ النَّفلُ إذا كانَ من الغَنيمةِ؟

فقالَ الحَنابِلةُ -وهو قَولٌ للشافِعيةِ-: يَكونُ النَّفلُ من أربَعةِ أَخماسِ الغَنيمةِ مُطلَقًا لقَولِ النَّبيِّ : «لا نَفلَ إلا بعدَ الخُمُسِ» (١) ولحَديثِ حَبيبِ بنِ مَسلَمةَ أنَّ النَّبيَّ «كانَ يُنفِّلُ الرُّبعَ بعدَ الخُمُسِ والثُّلُثَ بعدَ الخُمُسِ إذا قَفَل» (٢).

ولحَديثِ جَريرٍ حينَ قالَ له عُمرُ: «ولكَ الثُّلثُ بعدَ الخُمسِ» ولأنَّ النَّبيَّ نفَّلَ الثُّلثَ ولا يُتصوَّرُ إخراجُه من الخُمسِ، ولأنَّ اللهَ تَعالى قالَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، يَقتَضي أنْ يَكونَ الخُمسُ خارِجًا من الغَنيمةِ كلِّها.

وعندَ الحَنفيةِ يَكونُ من أربَعةِ أَخماسِ الغَنيمةِ إذا نفَّلَ الإمامُ في أثناءِ القِتالِ، أمَّا إذا نفَّلَ بعدَ الإحرازِ فلا يُنفِّلُ إلا مِنْ الخُمسِ.

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّه يَكونُ من الخُمسِ، وإنَّما جعَلَ الإمامُ مالِكٌ النَّفلَ من الخُمسِ لا من رأسِ الغَنيمةِ؛ لأنَّ الخُمسَ مَردودٌ قِسمَتُه إلى اجتِهادِ الإمامِ، وأهلُه غيرُ مُعيَّنينَ، ولم يَرَ النَّفلَ من رأسِ الغَنيمةِ؛ لأنَّ أهلَها مُعيَّنونَ، وهُم المُخوِّفونَ وهُم المُوجِفونَ.

وذهَبَ الشافِعيةُ في الأصَحِّ إلى أنَّه يَكونُ من خُمسِ الخُمسِ، وهو حَظُّ الإمامِ؛ لأنَّه مَبذولٌ في المَصالحِ فأشبَهَ سائِرَ المَصالحِ، ولأنَّه لمَّا تَقدَّر


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أحمد (١٥٩٠٠)، وأبو داود (٢٧٥٣).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٧٤٩)، وأحمد (١٧٥٠٠) وغيرُهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>