للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ المُنذِرِ : وهذا مَذهبُ عُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ، وبه قالَ الحَسنُ البَصريُّ، ومُحمدُ بنُ سِيرينَ، ومَكحولٌ، وحَبيبُ بنُ أبي ثابِتٍ، وهذا قَولُ عَوامِّ عُلماءِ الأمصارِ في القَديمِ والحَديثِ، وممَّن قالَ ذلك مالِكُ بنُ أنَسٍ ومَن مَعه من أهلِ المَدينةِ، وكذلك قالَ الأَوزاعيُّ ومَن وافَقَه من أهلِ الشامِ، وبه قالَ سُفيانُ الثَّوريُّ ومَن وافَقَه من أهلِ العِراقِ، وهو قَولُ اللَّيثِ بنِ سَعدٍ ومَن تَبِعه من أهلِ مِصرَ، وكذلك قالَ الشافِعيُّ وأصحابُه، وبه قالَ أحمدُ بنُ حَنبَلٍ، وإسحاقُ بنُ راهَويْهِ، وأبو ثَورٍ، ويَعقوبُ، ومُحمدٌ.

ولا نَعلَمُ أحَدًا في القَديمِ والحَديثِ خالَفَ ذلك، ولا عدَلَ عن القَولِ بما يَثبُتُ به الأخبارُ عن رَسولِ اللهِ، وما كانَ عليه جُملةُ أهلِ العِلمِ في كلِّ وَقتٍ، إلا النُّعمانَ -أي: أبا حَنيفةَ-؛ فإنَّه خالَفَ كلَّ ما ذكَرْناه، فقالَ: لا يُسهَمُ للفَرسِ إلا سَهمٌ واحِدٌ، وخالَفَه أَصحابُه فبَقيَ قَولُه مَهجورًا مُخالِفًا للأَخبارِ التي ذكَرْناها عن رَسولِ اللهِ ، وعمَّن بعدَ رَسولِ اللهِ .

وقالَ الشافِعيُّ: فأمَّا ما حَكى أبو يُوسفَ عن أبي حَنيفةَ أنَّه قالَ: لا أُفضِّلُ بَهيمةً على مُسلمٍ، فلو لم يَكنْ في هذا خَبَرٌ عن رَسولِ اللهِ يَكونُ مَحجوجًا بخِلافِه، كانَ قَولُه: (لا أُفضِّلُ بَهيمةً على مُسلمٍ) خَطأً من جِهتَينِ:

إحداهُما: أنَّه إنْ كانَ إنَّما أُعطي بسَببِ الفَرسِ سَهمَينِ كانَ مُفضِّلًا له على المُسلِمِ؛ إذْ كانَ إنَّما يُعطي المُسلِمَ سَهمًا انبَغى له ألَّا يُسوِّيَ البَهيمةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>