للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُها: وهو مَذهبُ الشافِعيِّ أنَّه يَجبُ قَسمُها بينَ الغانِمينَ إلا أنْ يَستطيبَ أنفُسَهم فيُوقِفَها، وذكَرَ في «الأُمِّ»: أنَّه لو حكَمَ حاكِمٌ بوَقفِها من غيرِ طِيبِ أنفُسِهم نُقِض حُكمُه؛ لأنَّ النَّبيَّ قسَّمَ خَيبَرَ بينَ الغانِمينَ، لكنَّ جُمهورَ الأئِمةِ خالَفوا الشافِعيَّ في ذلك، ورأوْا أنَّ ما فعَلَه عُمرُ بنُ الخَطابِ مِنْ جَعْلِ الأرضِ المَفتوحةِ عَنوةً فَيئًا حَسنٌ جائِزٌ، وأنَّ عُمرَ حبَسَها بدونِ استِطابةِ أنفُسِ الغانِمينَ، ولا نِزاعَ أنَّ كلَّ أرضٍ فتَحَها عُمرُ بالشامِ عَنوةً والعِراقِ ومِصرَ وغيرِها لم يُقسِّمْها عُمرُ بينَ الغانِمينَ وإنَّما قسَّمَ المَنقولاتِ.

لكنْ قالَ مالِكٌ وطائِفةٌ وهو القَول الثانِي: مُختصةٌ بأهلِ الحُدَيبيةِ، وقد صنَّفَ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ -إمامُ المالِكيةِ- في ذلك بما نازَع به الشافِعيَّ في هذه المَسألةِ وتَكلَّم على حُجَجِه.

وعن الإمامِ أحمدَ كالقَولَينِ، لكنَّ المَشهورَ في مَذهبِه هو القَولُ الثالِثُ، وهو مَذهبُ الأكثَرينَ -أبي حَنيفةَ وأصحابِه والثَّوريِّ وأبي عُبيدٍ- وهو أنَّ الإمامَ يَفعَلُ فيها ما هو أصلَحُ للمُسلِمينَ من قَسمِها أو حَبسِها؛ فإنْ رأى قَسمَها كما قسَّمَ النَّبيُّ خَيبَرَ فعَل، وإنْ رأى أنْ يَدَعَها فَيئًا للمُسلِمينَ فعَلَ كما فعَلَ عُمرُ، وكما رُوي أنَّ النَّبيَّ فعَلَ بنِصفِ خَيبَرَ وأنَّه قسَّمَ نِصفَها وحبَسَ نِصفَها لنَوائِبِه، وأنَّه فتَحَ مَكةَ عَنوةً ولم يَقسِمْها بينَ الغانِمينَ، فعلِمَ أنَّ أرضَ العَنوةِ يَجوزُ قَسمُها ويَجوزُ تَركُ قَسمِها (١).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٥٨١، ٥٨٢)، و «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٣٥)، و «الإنجاد في أبواب الجِهاد» ص (٣٤٢) وما بعدها، و «الإفصاح» (٢/ ٣١٢، ٣١٣)، و «الأموال» لأبي عبيد ص (٨٠)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٥/ ٢٨١)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٩٣)، و «تفسير القرطبي» (١٨/ ٢٢)، و «شرح مسلم» للنووي (١٠/ ٢١١)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٥٠)، و «كنز الدقائق» (١٨٦)، و «الشرح الكبير» (٢/ ١٨٩)، و «حاشية الصاوي» (٤/ ٣٣٣)، و «منح الجليل» (٣/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>