للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى نُضارِبَ القَومَ، ما هكذا كُنا نَفعلُ مع رَسولِ اللهِ ، بِئسَ ما عَوَّدتُم أقرانَكُم (١).

قالَ ابنُ بَطالٍ : قالَ المُهلَّبُ: فيه الأخذُ بالشِّدةِ في استِهلاكِ النَّفسِ وغيرِها في ذاتِ اللهِ، وتَركُ الأخذِ بالرُّخصةِ لمَن قدِرَ عليها؛ لأنَّه لا يَخلو أنْ تَكونَ الطائِفةُ من المُسلِمينَ التي غزَت اليَمامةَ أكثَرَ منهم أو أقَلَّ؛ فإنْ كانُوا أكثَرَ فلا يَتعيَّنُ الفَرضُ على أحَدٍ بعَينِه أنْ يَستهلِكَ نَفسَه فيه، وإنْ كانُوا أقَلَّ -وهو المَعروفُ في الأغلَبَ ألَّا يَغزوَ جَيشٌ أحَدًا في عُقرِ دارِه إلا وهُم أَقلُّ من أهلِ الدارِ- فإذا كانَ هكذا فالفِرارُ مُباحٌ.

وإنْ تَعذَرَ مَعرِفةُ الأكثَرِ من الفَريقَينِ؛ فإنَّ الفارَّ لا يَكونُ عاصيًا إلا باليَقينِ أنَّ عَدوَّهم مِثلانِ فأَقلُّ، وما دامَ الشَّكُّ فالفِرارُ مُباحٌ للمُسلِمينَ، وفيه أنَّ التَّطيُّبَ للحَربِ سُنةٌ من أجلِ مُباشَرةِ المَلائِكةِ للمَيِّتِ، وفيه اليَقينُ بصِحةِ ما هو عليه من الدِّينِ، وصِحةِ النِّيةِ بالاغتِباطِ في استِهلاكِ نَفسِه في طاعةِ اللهِ ، وفيه التَّداعي للقِتالِ؛ فإنَّ أنَسًا قالَ لعَمِّه: ما يَحبِسُك ألَّا تَجيءَ؟ ومَعنى قَولِه: (بِئسَ ما عوَّدتُم أقرانَكم) يَعنى: العَدوَّ، في تَركِهم اتِّباعَكم قَبلَكم حتى اتَّخذتُم الفِرارَ عادةً للنَّجاةِ، وطَلبِ الراحةِ من مُجالَدةِ الأقرانِ (٢).


(١) رواه البخاري (٢٦٩٠).
(٢) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٥/ ٥٢، ٥٣)، و «فتح الباري» (٦/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>