وفي صَحيحِ مُسلمٍ عن أنسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ أُفرِد يومَ أُحدٍ في سَبعةٍ من الأنصارِ ورَجلَينِ من قُريشٍ فلمَّا رَهِقوه قالَ:«مَنْ يَرُدُّهم عنَّا وله الجَنةُ» أو «هو رَفيقي في الجَنةِ» فتَقدَّمَ رَجلٌ من الأنصارِ فقاتَلَ حتى قُتلَ ثم رَهِقوه أيضًا، فقالَ:«مَنْ يَرُدُّهم عنَّا وله الجَنةُ» أو «هو رَفيقي في الجَنةِ» فتَقدَّمَ رَجلٌ من الأنصارِ فقاتَلَ حتى قُتلَ، فلم يَزلْ كذلك حتى قُتلَ السَّبعةُ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ:«ما أنصَفْنا أصحابَنا» هكذا الرِّوايةُ «أنصَفْنا» بسُكونِ الفاءِ «أصحابَنا» بفَتحِ الباءِ، أي: لمْ نَدلَّهم للقِتالِ حتى قُتِلوا، ورُوي بفَتحِ الفاءِ ورَفعِ الباءِ ووَجهُها أنَّها تَرجعُ لمَن فرَّ عنه من أصحابِه، واللهُ ﷾ أعلَمُ.
وقالَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ ﵀: لو حمَلَ رَجلٌ واحِدٌ على ألْفِ رَجلٍ من المُشرِكينَ وهو وَحدَه لم يَكنْ بذلك بأسٌ إذا كانَ يَطمَعُ في نَجاةٍ أو نِكايةٍ في العَدوِّ؛ فإنْ لم يَكنْ كذلك فهو مَكروهٌ؛ لأنَّه عرَّضَ نَفسَه للتَّلفِ في غيرِ مَنفَعةٍ للمُسلِمينَ؛ فإنْ كانَ قَصدُه تَجرِئةَ المُسلِمينَ عليهم حتى يَصنَعوا مِثلَ صَنيعِه فلا يَبعدُ جَوازُه، ولأنَّ فيه مَنفَعةً للمُسلِمينَ على بعضِ الوُجوهِ، وإنْ كانَ قَصدُه إرهابَ العَدوِّ وليُعلَمَ صَلابةُ المُسلِمينَ في الدِّينِ فلا يَبعدُ جَوازُه، وإذا كانَ فيه نَفعٌ للمُسلِمينَ فتَلِفت نَفسُه لإعزازِ دِينِ اللهِ وتَوهينِ الكُفرِ فهو المَقامُ الشَّريفُ الذي مدَحَ اللهُ به المُؤمِنينَ في قَولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١] الآيةَ، إلى غيرِها من آياتِ المَدحِ التي مدَحَ اللهُ ﷾ بها مَنْ بذَلَ نَفسَه، وعلى ذلك يَنبَغي أنْ يَكونَ حُكمُ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن