للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ في «مِنحِ الجَليلِ»: وحرُمَ المُثلةُ -بضَمِّ الميمِ وسُكونِ المُثلَّثةِ- أي: التَّمثيلُ بالكُفارِ بقَطعِ أطرافِهم وقَلعِ أعيُنِهم بعدَ القُدرةِ عليهم، ولم يُمثِّلوا بمُسلمٍ، فيَجوزُ حالَ القِتالِ قبلَ القُدرةِ عليهم أو بعدَ تَمثيلِهم بمُسلمٍ، قالَه الباجيُّ في أسيرٍ كافرٍ عندَنا وقد مَثَّلوا بأسيرٍ مُسلمٍ عندَهم (١).

قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ : وإنْ مثَّلَ الكُفارُ بالمُسلِمينَ فالمُثْلةُ حقٌّ لهم، فلهم فِعلُها للاستِيفاءِ وأخذِ الثَّأرِ ولهم تَركُها، والصبْرُ أفضَلُ، وهذا حيثُ لا يَكونُ في التَّمثيلِ السائِغِ لهم دُعاءٌ إلى الإيمانِ وحِرزٌ لهم عن العُدوانِ؛ فإنَّه هنا من إقامةِ الحُدودِ والجِهادِ، ولم تَكُنِ القَضيةُ في أُحدٍ كذلك، فلهذا كانَ الصبْرُ أفضَلَ، فأمَّا إنْ كانَت المُثْلةُ حقَّ اللهِ تَعالى فالصبْرُ هناك واجِبٌ كما يَجبُ حيثُ لا يُمكِنُ الانتِصارُ ويَحرُمُ الجَزعُ (٢).

وقالَ في مَوضِعٍ آخرَ: فأمَّا التَّمثيلُ في القَتلِ فلا يَجوزُ إلا على وَجهِ القِصاصِ، وقد قالَ عِمرانُ بنُ حُصينٍ : ما خطَبنا رَسولُ اللهِ خُطبةً إلا أمَرَنا بالصَّدَقةِ ونَهانَا عنِ المُثْلةِ، حتى الكُفارُ إذا قتَلْناهم فإنَّا لا نُمثِّلُ بِهم بعدَ القَتلِ ولا نَجدَعُ آذانَهم وأُنوفَهم ولا نَبقُرُ بُطونَهم، إلا أنْ يَكونوا فعَلوا ذلك بنا فنَفعَلَ بهم مِثلَ ما فعَلوا، والتَّركُ أفضَلُ كما قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: ١٢٦، ١٢٧] (٣).


(١) «منح الجليل» (٣/ ٣٥٤).
(٢) «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٦١٠).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>