للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ: جِهادُ الدَّفعِ للكُفارِ يَتعيَّنُ على كلِّ أحَدٍ، ويَحرُمُ فيه الفِرارُ مِنْ مِثلَيْهم؛ لأنَّه جِهادُ ضَرورةٍ لا اختيارٍ، وثَبَتوا يَومَ أُحدٍ والأحزابِ وُجوبًا، وكذا لمَّا قدِمَ التَّتارُ دِمَشقَ (١).

وقالَ ابنُ القَيمِ : وجِهادُ الدَّفعِ أصعَبُ من جِهادِ الطَّلبِ؛ فإنَّ جِهادَ الدَّفعِ يُشبِهُ بابَ دَفعِ الصائِلِ، ولِهذا أُبيحَ للمَظلومِ أنْ يَدفعَ عن نَفسِه، كما قالَ اللهُ تَعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩].

وقالَ النَّبيُّ : «مَنْ قُتلَ دُونَ مالِه فهو شَهيدٌ، ومَن قُتلَ دُونَ دَمِه فهو شَهيدٌ» (٢)؛ لأنَّ دَفعَ الصائِلِ على الدِّينِ جِهادٌ وقُربةٌ، ولأنَّ دَفعَ الصائِلِ على المالِ والنَّفسِ مُباحٌ ورُخصةٌ؛ فإنْ قُتلَ فيه فهو شَهيدٌ.

فقِتالُ الدَّفعِ أوسَعُ من قِتالِ الطَّلبِ وأعَمُّ وُجوبًا، ولِهذا يَتعيَّنُ على كلِّ أحَدٍ أنْ يَقومَ ويُجاهِدَ فيه، العبدُ بإذنِ سَيِّدِه وبدُونِ إذْنِه، والوَلدُ بدونِ إذنِ أبوَيْه، والغَريمُ بغيرِ إذنِ غَريمِه.

وهذا كجِهادِ المُسلِمينَ يَومَ أُحُدٍ والخَندَقِ.

ولا يُشترطُ في هذا النَّوعِ من الجِهادِ أنْ يَكونَ العَدوُّ ضِعفَيِ المُسلِمينَ فما دونَ؛ فإنَّهم كانُوا يَومَ أُحُدٍ والخَندَقِ أضعافَ المُسلِمينَ، فكانَ الجِهادُ واجِبًا عليهم؛ لأنَّه حينَئذٍ جِهادُ ضَرورةٍ ودَفعٍ لا جِهادُ اختيارٍ، ولِهذا تُباحُ فيه صَلاةُ الخَوفِ بحسَبِ الحالِ في هذا النَّوعِ.


(١) «الفروع» (٦/ ١٩٠).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: الترمذي (١٤٢١)، والنسائي (٤٠٩٤)، وأحمد (١٦٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>